الأمم المتحدة.. حين تفشل القيم وتنتصر الهندسة الاستعمارية
حسين النعمة
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حسين النعمة

في تحليل بنيوي ونقد سياسي لخطاب الرفض العراقي وترهّل الشرعية الدولية، لمنشور للإعلامي الحربي والكاتب العراقي: حازم فاضل، قال فيه:
"الامم المتحدة التي لم تستطع ايقاف الجرائم ضدّ الانسانية بغزة.. نحن كشعب عراقي لا نعتمد قرارها بترسيم الحدود والسلام..".
عميق الفكرة هذا المنشور؛ فيه.. كيف تُعرِّي غزة شرعية النظام الدولي، "الأمم المتحدة التي لم تستطع إيقاف الجرائم ضّد الإنسانية في غزة، نحن كشعب عراقي لا نعتمد قرارها بترسيم الحدود والسلام" – ليست هذه الجملة مجرد احتجاج سياسي عابر؛ بل هي بيان اختزال بنيوي لأزمة الشرعية الدولية في زمن الانكشاف الأخلاقي.
في عمقها، الجملة تصوغ مفارقة الوجود الدولي المعاصر: منظمة تأسست لحماية السلم والعدالة، تحوّلت إلى مظلة لتمرير المآسي وصناعة خرائط لا تعبّر عن إرادة الشعوب، بل عن موازين القوى.
أولاً: فشل الأمم المتحدة في غزة.. عدالة مؤجلة تحت ثقل الفيتو
غزة، الجرح المفتوح في ضمير العالم، تحوّلت إلى مقياس لانهيار فعالية المنظمة الدولية. فحين تُقصف المستشفيات، ويُقتل الأطفال تحت أنقاض البيوت، تُكتفى الأمم المتحدة ببيانات إدانة باردة، بينما يعطل الفيتو الأمريكي أي محاولة لمحاسبة الجاني أو ردع الجريمة.
هذا التواطؤ البنيوي يكشف ضعف النص الدولي أمام الفعل الدموي. إذ تُقابل القوانين الدولية بانتهاك صارخ، ويُقابل الصمت العالمي بشراسة المحرقة اليومية. إن فشل الأمم المتحدة هنا ليس تقنياً أو عارضاً، بل نابع من هندستها السياسية ذاتها، حيث تتحكم القوى الخمس الكبرى بمصير الملايين، لا بسلطة الحق، بل بقانون القوة.
ثانيًا: العراق وترسيم الحدود.. حين تُختم الخرائط بخاتم المستعمِر
في ضوء هذا الفشل، يصبح رفض العراقيين لقرارات الترسيم الأممي للحدود، فعلًا واعيًا لا عبثًا دبلوماسيًا. فهذه الحدود، التي سُطّرت في غرف سايكس وبيكو، ثم ثُبّتت بقرارات مجلس الأمن في لحظة ضعف العراق بعد حرب الخليج، ليست سوى امتداد لما وصفه إدوارد سعيد بـ"العنف الرمزي في الجغرافيا".
الأمم المتحدة التي لم تستطع رد العدوان على فلسطين، ولا حمت أطفال العراق من حصار الموت، لا تُؤتمن – بنظر كثير من العراقيين – على رسم حدودهم، ولا على منح أو سلب الشرعية لأرضهم.
الجملة العراقية: "لا نعتمد قرارها" هنا، ليست فقط تعبيراً سيادياً، بل موقفاً وجودياً ضد شرعية مشروخة، فالقرار الأممي لا يُقرأ بوصفه نصاً قانونياً، بل كسكين يُعاد شحذه باسم السلم الدولي لاقتطاع أجزاء من الأرض والتاريخ.
الجملة المفصلية تتكوّن من شقين متوازيين:
"الأمم المتحدة التي لم تستطع إيقاف الجرائم ضد الإنسانية في غزة": توصيف لواقع انكشاف أخلاقي.
هذا البناء اللغوي يُحوّل الجملة إلى حجّة دامغة تربط بين العجز في مجال الحماية والرفض في مجال القرار، وهنا، تصبح اللغة أداة مقاومة، بل وسلاحا لإعادة تعريف العلاقات الدولية من خارج مركز الهيمنة.
المنظومة الدولية.. بين فخ القانون وفخ القوة
ما تكشفه الجملة ليس أزمة محدودة في موضوعين (غزة، وترسيم الحدود)، بل انهيار معماري شامل لمنظومة بُنيت على مبادئ العدالة، لكن سُيّرت عبر أدوات الهيمنة.
ونحن بإزاء أزمة مركبة:
هيكلية: لأن حق الفيتو يمنح خمس دول حقاً إلهياً في تقرير مصائر الشعوب.
أخلاقية: لأن المنظمة تصمت حين يُذبح شعب بأكمله.
رمزية: لأن "الشرعية الدولية" صارت مجرد قناع هش تُخفي خلفه الدول الكبرى هندستها للمصالح والخرائط.
بين الرفض والسيادة: هل تُصلَح الأمم المتحدة؟..
يرتفع السؤال الآن: هل يمكن إصلاح هذه المؤسسة من الداخل؟ هل يكفي تعديل ميثاقها، أم أننا بحاجة إلى ثورة على هندسة ما بعد الحرب العالمية الثانية؟..
إن الجملة العراقية، برغم بساطتها، تلخّص نزعة عالمية جديدة: من الجنوب العالمي إلى أوروبا الشرقية، من فنزويلا إلى فلسطين، تنبعث أصوات شعوب لم تعد تؤمن بشرعية مفروضة من فوق.
خاتمة: حين تتحوّل اللغة إلى جبهة نضال.
رفض العراق لقرار ترسيم الحدود، في ضوء جرائم غزة، ليس رفضاً تقنياً، بل حركة رمزية تعلن أن النظام الدولي لم يعد قادراً على احتكار مفهوم العدالة.
ربما آن أوان نظام عالمي جديد تُصاغ فيه الشرعية لا على موائد الكبار، بل على ضمير الشعوب.
فكما لم تحمِ الأمم المتحدة أطفال غزة، فإنها لا تستطيع أن ترسم مستقبل شعب قرر أن لا يُملى عليه مصيره، ولو باسم "السلام".
-----------
هوامش مقترحة:
1. تقرير "هيومن رايتس ووتش" بشأن جرائم الحرب في غزة (2023).
2. قرار مجلس الأمن رقم 833 بشأن الحدود العراقية-الكويتية.
3. دراسة تحليلية في مجلة International Affairs حول إشكالية الفيتو والإفلات من العقاب.
4. خطاب مندوب العراق الدائم في الأمم المتحدة حول "عدم الاعتراف بالقرارات الظالمة".
5. مراجعة مقارنة لحالات رفض قرارات أممية في كشمير، وهايتي، وفلسطين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat