كتابات في الميزان
كتابات في الميزان

سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا

آيةٌ لم تُكتَب بالحبر وحده، بل خُطّتْ على جبين التاريخ بماء الوفاء ودم الشهادة... وما انطبقت على أحد كما انطبقت على العباس، حين صار "عضدًا" لا يلين، و"سيفًا" لا ينكسر، و"أخًا" لا يتأخر.
العباس… ليس أخًا فحسب، بل هو الحرف السرّي الذي إذا نُطق أمام الحسين انكشفت كل أسرار النُصرة. هو النسخة الخالصة من معنى الأخوّة حين تخرج من القاموس وتدخل ساحة الفداء.
حين قال الله لموسى: "سنشد عضدك بأخيك"، تجلّت المعجزة في من يمنحك القوة لا بالكلمات، بل بالوجود. هكذا كان العباس. لم يكن خلف الحسين، بل كان "ظله" إذا التفت، و"بصره" إذا نظر، و"صدى قلبه" إذا خفق في العراء.
شدّ الله عضد الحسين بالعباس، لا ليقوده في الحرب فقط، بل ليقوده في الحُزن، في السقيا، في الموقف الذي لا يقبل التردد. فكان العباس سلطانه الصامت، وصوته المتجلّي في مواقف الحسم. لم يطلب الولاية، بل تولّى روح الحسين. لم يخطُ لنفسه خطوة، بل صار خطى الإمام نفسه. 
رمزية العباس، ليست في سيفه، ولا في رايته، ولا في سقوطه دون الكفين.. بل في ذلك الرباط الذي جعله يشدُّ الحسين من داخله، لا من خارجه. كان كتفه إن انحنى، وسنده إن ضعف، ودموعه إن اختنق الصبر في حلقه.
وكان يمكنه أن يفتح كفّيه للماء، لكنه تذكّر أنّ عضد الحسين لا يَشرب إذا كان الحسين عطشانًا. وكانت له عينان، لكن عينه الحقيقية كانت في نظر أخيه. وكان له قلب، لكن نبضه كان في صدر الحسين.
فهل فهمنا الآن معنى: "سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ"؟
إنها لا تعني النصرة بالسلاح، بل النصرة بالروح التي تقيم في ظلالك، وتفنى معك دون أن تتردد.
العباس... هو الشدّة التي وهبها الله للحسين، ليواجه بها كربلاء.
هو السلطان الذي لا يُمارس إلا بقبضة الحياء، وكبرياء الانكسار أمام الأخ.
هو العضد... الذي لم يكن يدافع عن الحسين، بل كان يسند قلبه.
وما أقسى السقوط... حين يُكسر هذا العضد.
وما أوجع المناداة... حين يُقال: "الآن انكسر ظهري".

الحسين_واخيه_العباس.jpg

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!