كتابات في الميزان
كتابات في الميزان

عندما لا تجد شحنات النفس منصرفًا لها !! ماذا يحدث؟

حتى لنكاد نمسي غرباء عن أنفسنا 
" مصطفى زيور"   
 ما يحرك النفس في يومها وليلها هي طاقة متجددة ، لا تستقر ولا تستكين ، هي النفس في هدوئها وفي غليانها ، هي هي ، في حالة الصحو – وهي واعية ، وفي حالة النوم وهي في عالم خارج منظومة الوعي ، فقول سيجموند فرويد فننتظر حتى يسترخي الكبت أثناء النوم كي تجد لنفسها منصرفًا كيفما كان ، فنقول يظهر ما لا يراد قوله في حالة التعامل مع الناس بشكل واضح ، وتساؤلنا ماذا يحدث إن لم تجد شحنات النفس منصرفًا لتلك الطاقة في ذلك الخزان  العميق وهو اللاوعي – اللاشعور ؟ 
 أن التفكير يمتلك القدرة على جلب شيء ما تم إدراكه ذات مرة واستحضاره أمام العقل مرة أخرى ، هذا الكلام صحيح تمامًا كما يراه فرويد ، ربما أعيد أنتاجه من جديد في حالة الوعي الكامل ، وأمام الناس في اسلوب التعامل ، لكن الطاقة التي لم تجد لها منفذًا للتصريف وقد تكونت من دمج أفكار وعناصر واقعية فضلا عن العناصر الذاتية الداخلية وضاع حينها التمييز بين  ما هو ذاتي – داخلي بتكوينه مع متغيرات أخرى من  بنية الإنسان ، وبين ما هو موضوعي – خارجي من عالمنا البيئي المحيط بنا ، هنا قد لا يكون التصريف مقبول اجتماعيًا بقدر ما تتدخل عوامل في إعادة عوامل في إنتاج تلك الخلطة من الأفكار التي لا تكون دائمًا خلطة نقية مخلصة في اهدافها، ربما تشوبها الكثير من القاذورات المترسخة في النفس " أعني أفكار كراهية وحقد" تجاه الآخر أيَنٌ  كان،  قريب جدًا " دائرة الأبوين والأخوة  أو الزوجة في بعض الأحيان أو الزوج"  ، أو بعيدٌ جدًا – الأصدقاء أو زملاء العمل، وهنا ربما يميل الاختيار بغلبة ذاتية الفرد وتحدث التشوهات ، ومع ذلك تجلب كلا الحالتين إشباعًا ولو مبتسرًا ناقصًا ، غير كافي لإشباع ولو جزء من الرغبة لا يرقى إلى التفريغ وتنفيس الشحنات الداخلية ، إلا بعملية عسيرة جدًا .  
هل يساعدنا النتاج الفكري في التفريغ المقبول اجتماعيًا لمنصرف الطاقة النفسية الداخلية ، أم بعرض الجميل من النتاج العقلي والفكري لكي يكون هروبًا من العمليات الأولية مثل التكثيف والرمزية والاسقاط والازاحة وغيرها إلى العمليات النفسية الثانوية ؟ حينها تكون وسائلنا المنطقية وهي تهذيبًا للعمليات الأولية كما يقول " مصطفى زيور" . أم ..  ربما يؤدي إلى اختيار الفعل الحركي بالألعاب والرياضات العنيفة أو من المحتمل الإدمان الأليكتروني على وسائله غير البريئة وبرامجه الخيالية ، والأمر سيان حيث يؤدي الانتقال من التفكير إلى الفعل بشقيه المهني والحرفي ، أو العنيف . ويقول " فرويد" هو انفاق قليل للتفريغ " في الطاقة". ونقول لا يكفي لتفريغ حجم الشحنات ، فكلما كانت الشحنات ثقيلة بالهموم غير المرصودة ، كلما كان الفعل الفكري والفني والتشكيلي عميق في رمزيته ونتاجه . فضلا عن الحركي  والفكري العقائدي والإيمان بالأفكار المتعصبة المتشددة حتى يبدو الفرد إنفعاليًا واندفاعيًا . 
من يدرس التحليل النفسي يتعلم كيف يعرف نفسه ، بمعنى أدق يعرف بين ثنايا نفسه الخبيئة، يحاول أن يدرك ما كان يوما لا يراه ، فهو كشف لحنايا النفس وما تخبئه وهو فيهِ !!  وأزاء ذلك فالمشتغلين بالتحليل النفسي وعمقه يبدأ بمعرفة نفسه أولًا ولمعرفة الآخر ثانيًا ، ليس لأن الآخر شبيه له ، أو نضير له ، أو قرين له ، اطلاقًا بل لأن النفس البشرية تحمل عدة بنيات متنوعه ومختلفة ، وحتى في البينة الواحدة نجد فروق في البنية والتكوين من حيث الكم ، لا من حيث النوع ، فلذا فإن الذين يعملون في تخصص علم نفس الأعماق – التحليل النفسي الفرويدي – اللاكاني هم أكثر من يستطيع سبر أغوار نفسه ومن ثم يرى في الآخر ما لايراه الآخر في نفسه،  فربما أحتاج لأن يكون دليله في رحلة معرفة النفس ، ويبصره بتقنيات المعرفة التي أكتسبها ، والحقيقة عرفها بعد إن كانت خافية عليه ، ومن هنا يبدأ الصراع من داخل  النفس لا بسبب الهروب بقدر ما تبديه المقاومة من الداخل ، بل ترفض لأنها ألفت القديم وهو خطأ ، وتعودت عليه وهو خطأ أيضًا ، ويأخذ هذا الرفض مختلف أنواع الدفاعات اللاواعية – اللاشعورية التي تفرض نفسه ، وحينما تشتد في حالة الوعي يكون تفريغها عبر النوم العميق ، والنوم والحلم  هو رحلة الاستمتاع في إبداء الرأي بلا قيود ، وبلا رقيب ، فيكون التفريغ ليس علاجًا بل هو هروب من مواجهة شيء غير مقبول من النفس أولًا ، ومن الحياة الاجتماعية والقيم الوالدية ثانيًا . فلم يعد تفريغًا ناجحًا بقدر ما هو تنفيس مؤقت لرغبةٍ .. من المحتمل أن تكون قذرة . 
الأحلام منفذ مشروع للتفريغ في حالتها الخفيفة ، أما إذا كانت شديدة فكان الكابوس وأحلام الهيلة بشدتها لها الحضور الواضح ، حتى ليتعكر مزاج الفرد بعد الاستيقاظ في كل صباح ، إذا ما رافقه تعرق ، لهاث ، أو وهن وهو كان نائمًا، ولا  ننسى أن ميكانيزمي " حيلتي – حيلة – آلية الاحلام الرئيسة هي التكثيف والازاحة عند " فرويد" وعند "لاكان" الاستعارة والكناية.   
يعلمنا التحليل النفسي كيف يستطيع الفرد أن يجد التفريغ  – التنفيس المقبول لتلك الشحنات قبل أن تستفحل وتصبح عبأً على النفس . يعلمنا التحليل النفسي أيضًا بكل اتجاهاته ان أحد محاور العمل هو معرفة التفريغ عبر اللغة ، واستنادًا لرؤية " ارسطو" الذي يعد اللغة هي في الأساس نظام من العلامات المستخدمة للتواصل مع الأفكار.  
 يعتقد " جاك لاكان" ان الذات المتكلمة إنما هي ذات نقصان ، والدخول في عالم اللغة الرمزي ، فإنها تخبره على أنه عملية مؤلمة للفقد ، ونقول أن الهروب إلى الحلم هو رغبة في التعبير عن شيء عميق لا يمكن قوله ، ويرى  " لاكان " أيضًا بأن الحلم هو الحدث الذي بفضله تمر المتعة إلى اللاشعور – اللاوعي. ونقول لكي يعبر عن ما لا يمكن التعبير عنه في العلن والبوح عنه ايضًا .  
 كان تساؤلنا في بدء المقالة ماذا يحدث عندما لا يستطيع الإنسان أن يجد التفريغ المناسب نفسيًا وإجتماعيًا لما يعتمل في داخل النفس؟ نقول إن النفس تتجه للأعراض المرضية وهو مؤشر للدخول في حالات الاضطرابات النفسية والعقلية حينما تشتد ، وعلمتنا الخبرة في التحليل النفسي على مدى سنوات العمر ،  إن ما لا يستطيع أن يعبر عنه الإنسان في الوقت المناسب قبل أن تكون الحياة مظلمة يظهر في أعراض الأكتئاب بشقيه النفسي أو العقلي ، وكلاهما يشكل عبأ لا يطاق على النفس، أو غيرها من الاضطرابات.   

النفس.jpg

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!