ما لم ينصلح حال العرب تبقى قممهم حضيضا
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

انفضّت القمة العربية 34 المنعقدة ببغداد تحت شعار (حوار وتضامن وتنمية)، كما جرت العادة على بيان ختامي(1)، لا يختلف من حيث صياغته عن البيانات السابقة في شيء، متوقعا في نقاطه المُعْلَنة، لم يرتقي إلى طموحات الشعوب المجتمعة ممثليها للنظر في مستجدات الساحة العربية، خصوصا العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزّة، والذي بلغ مستوى من العنف المفرط، بلغ حدّ الإبادة الجماعية، حصارا وقتلا وتجويعا، قمّة لم تتخذ موقفا حاسما، من شأنه أن يستنقذ قطاع غزة من الدمار والإبادة، وانتهت على بيان أعجف لم يقدّم شيئا يفيد القطاع المنكوب وأهله، الذين يشاهدهم العالم بأسره، في مواجهة صلف وعنجهية كيان يعتقد أنّه فوق المحاسبة وفي منأى من العقاب.
لقد كان بالإمكان أن تسفر قمة بغداد عن نتيجة إيجابية، خصوصا بعدما سبقتها زيارة الرئيس الأمريكي ترامب إلى ثلاث دول من الخليج الفارسي، والتي حصد منها ما يناهز الأربع تريليون دولار، صفقات ستنعش دون أدنى شك الاقتصاد الأمريكي، وسيكون مردود قسم من عوائد تلك الصفقات لفائدة إسرائيل- ونحن نعرف أن قسما من الضرائب وعوائد شركات معروفة تذهب إلى هناك - كل ذلك من دون مقابل، وكان بالإمكان - على الأقل - تخفيف معاناة الغزاويين، بمقايضة تلك الصفقات الضخمة، برفع الحصار عن غزة، ووقف العدوان المتواصل عليها، وإدخال المساعدات لأهلها، وهي مطالب كان بالإمكان الاستجابة إليها، لو أصرّت تلك الدول الثلاث على المطالبة بها، ورفعتها شرطا هذا في وجه ترامب، لكنها أحجمت عن الخوض في الموضوع، مما يجعلنا نتساءل عن ماهية عقيدة تلك الدول ومقاصدها السياسية؟
بيان القمة أشار إلى النتائج الحاصلة في القطاع المنكوب، كرفض تهجير الفلسطينيين من القطاع، ولم يشر إلى وضع خطة عربية ناجعة، من أجل دعم المقاومين الصامدين هناك عسكريا ولوجستيا، مع أنّ ذلك يُعَدّ من سابع المستحيلات أن يحصل، وأغلب المجتمعين خصوصا الدول التي استقبلت ترامب، يريدون انهاء أي شكل من اشكال المقاومة المسلحة داخل فلسطين- وهي رغبة قديمة عبروا عنها مرارا وتكرارا، وفي مقدمة هؤلاء رئيس السلطة الفلسطينية، المجاهر بعمالته وتَواطئِه خدمة لإسرائيل، والذي عبّر عن رغبة جامحة في بسط نفوذه وعناصره في القطاع، من أجل أن يكونوا عيونا ساهرة، وأياد باطشة بكل مقاوم هناك، بعدما قطع الغزاويون عليهم طريق تواجدهم في القطاع، ودلائل الإدانة ضدّهم قائمة، سواء في الضفة أو في القطاع المنكوب، ما جعل السلطة العميلة تسقط في انتخابات المجلس التشريعي، أمام ممثلي حماس سنة 2006 (2)، نتيجة لم ترضي العملاء ولا مشغليهم، أعداء القضية الفلسطينية واستحقاقاتها في نيل الحرية، وتحرير الأرض بالكامل، فلا حلّ عادلا بإمكانه أن يستمر ويدوم، غير قيام دولة فلسطينية واحدة من البحر إلى النهر، ومن قال غير ذلك فهو دون شك مختل عقليا أو عميل بلا شرف.
هذا وناسف للعراق الذي ابتلي بهذه القمّة، والخيبة التي مني بها مسؤولوه، وكانوا قبل انعقادها يأملون بتحقيق شيء مفيد لفلسطين خصوصا، لكنهم خُذلوا أوّلا بتقلّص عدد رؤساء الدول المشاركة، وهذا عيب في وجه من أحجم عن المشاركة على أعلى مستوى، وتعبير آخر هروبا وتنصّلا اتخاذ موقف فاعل حقيقي من شأنه أن يخرج غزة من محنتها، بما يعني ذلك من استمرار سياساتهم السلبية تجاه القضية الفلسطينية، وما مغادرة امير دولة قطر الجلسة وهي منعقدة، وعودته إلى بلاده سوى عيّنة من التخبط العربي على مستوى زعمائهم.
ويأتي هذا التنصّل الغير مبرّر، ليضفي على الدورة 34 ظلالا قاتمة، من الإخلال بالتزامات الدول المشاركة، وبتعبير آخر هروبا من تحمل مسؤولياتهم كاملة تجاه المقاومة في فلسطين، لأنّ المستهدف الحقيقي في هذا العدوان الوحشي، هي المقاومة المسلحة، التي أثخنت إسرائيل بجراح، ليس من السهل عليها أن تتعافى منها، في المدى القريب عمليّاتيا، حيث أحدثت في داخل الكيان حالة من الخوف وعدم الامن، وعَطلت اقتصاده وحياته العامة، وعلى المدى البعيد سياسيا واعلاميا، حيث انقلبت الخشية من معاداة السامية، إلى الجرأة عليها والمطالبة بمحاكمة قادتها، من خلال تغيّر مواقف دول كانت في صف إسرائيل، تخلت عن مواقفها الداعمة لتصبح منددة وناقدة لها.
حضور محتشم في أدنى مستوياته، اختتم اجتماع الدورة 34 من القّمة العربية، حيث كان العراق يؤمّل أن تكون منطلقا حقيقيا جديدا، لمؤازرة ومناصرة الشعب الفلسطيني المظلوم، وكان التمثيل الأكبر من طرف وزراء خارجية الدول العربية، للقيام ببروتوكول الحضور والإمضاء على البيان الأعجف، بيان لم يخلُ من مجاملات بشأن السودان وسوريا - كما هي عادة البيانات السابقة - فبالنسبة للسودان يبقى الداء متغلغلا في داخله، وعلى السودانيين معالجته بأنفسهم بقوة وحزم، بعدما تركوه يستفحل بينهم، متمثلا في قوتين عسكريتين، متناحرتين من أجل الاستيلاء على السلطة في البلاد والتحكم فيها كما يحلو لقيادتهما، بعدما تورطا في المستنقع اليمني، بمناصرة قوات التحالف العربي عليه، وأقول ان هاتان القوتان تدفعان اليوم ثمن العدوان على الشعب اليمني ( من أعان ظالما على ظلمه سلطه الله عليه)، ومحاولة افشال خياراته الثورية، استجابة لدعوات الإمارات السعودية في مدهما بالقوات السودانية.
أما بالنسبة لسوريا، فقد بِيعت بثمن بخس لإسرائيل، ولن يتوقف العدوان الصهيوني عليها سوى بالمقاومة المسلحة، لأن العدو الصهيوني لا يفهم بغير لغة السلاح، وتشكيل جبهة مقاومة، من شأنها أن تردعه عن الاستمرار في عدوانه، ويبدو ان سقوط النظام السوري يوم 8/12/2024 كان مخطط له من اجل تحييد سوريا وإخراجها عن محور المقاومة، فقد انطلق عقال القوات الصهيونية أرضا وجوّا، من أجل تدمير كامل قدراته العسكرية، والتغلغل جنوبا بالاستيلاء على أراضٍ ونقاط جديدة، تمركزت فيها دون مقاومة تماما، وهيهات أن يحرّك النظام الحالي ساكنا في وجه إسرائيل، وهو الذي جاء نتيجة تفاهمات دولية، رتبتها تركيا وأمريكا لفائدة إسرائيل، استُبْعِدت منها إيران التي تمثل الخطر الحقيقي على وجود الكيان الغاصب المجرم.
فهل بقي بعد مؤتمر قمة بغداد أمل في أن تقوم للعرب قائمة، طالما تسوسها حكومات عميلة تأتمر بأوامر الغرب، فتسمع وتطيع ولو كان في ذلك هلاك أوطانها؟ وما الفائدة من جامعة عقيم لم تلد لشعوبها يوما ما من شأنه أن يجدد ثقته بها؟
المراجع
1 – النص الكامل للبيان الختامي للقمة العربية في بغداد
https://arabic.rt.com/middle_east/1674487-
2 – الانتخابات التشريعية الفلسطينية 2006
https://ar.wikipedia.org/wiki/2006
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat