صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

عاشوراء الحسين أولى بالإحياء من أوهام الظالمين (3)
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 مودة قربى النبي صلى الله عليه وآله، فريضة انزلها الله جل شأنه في كتابه، وعرّف نبيّه بها وأمره بتبليغها لأمّته، لكن الأيدي الآثمة عملت على تضييع تلك الحقوق بصرف الآية عن مقصدها من النزول، لكن أثرا دالا على حقيقتها بقي مُشارا إليه فب بعض الروايات المفسرة، فهذا القرطبي نقل عن أحمد بن حنبل قوله: لما نزلت هذه الآية (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) قال الصحابة:  يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وولداها)(1)

فلا الذي ادعى أنّ للآية معنى عاما لمودة القربى، بحيث أخرجه عن مقصد الوحي من خصوصه إلى عمومه، ليدخل في جميع قرابة النبي صلى الله عليه آله من بني هاشم أصاب كبد المقصد منه، ولا الذي أنكر نزولها في هؤلاء الطاهرين جملة وتفصيلا، أمكن له أن يُزيل ويُلغي تكليفا فرضه الله على المسلمين جميعا، مقابل ما بذله من جهود مضنية، من أجل تبليغه لهم رسالة الإسلام، بل تظافر الآيات والأحاديث برهنت على أن المقصود بالقربى، هم أهل هذا البيت الذي خصّه الله بالاصطفاء على بقية الخلق، ليكونوا للعالمين ملاذات آمنة من الزيغ والضلال، أدوات حفظ للشريعة ومراجع للأمة يلجؤون إليها من تحيّرهم، ومستمسكات هدى من تيههم، وعصمة من ضلال سوء اعتقادهم، وليتهم فهموا ما كان يهيئه النبي صلى الله عليه وآله لصفوته من أهل بيته من مقام لو اعتمده لمباهلة في اللغة هي الملاعنة، أي الدعاء بإنزال اللعنة على الكاذب من المتلاعنَين، وهي مشروعة لإحقاق الحق وإزهاق الباطل، وقد روى مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: (ولما نزلت هذه الآية: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ}(آل عمران: 61) دعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليًّا وفاطمةَ وحسناً وحُسَيناً فقال: اللهمَّ! هؤلاءِ أهلي).المسلمون لما زاغ منهم سوى الشقي المفلس.

ولكي يتبيّن المسلم الحقيقة من بين ركام تضليل تعرضت له أجياله السابقة، لا بأس من أن استعرض ما صح من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله في التعريف بأهل بيته فيما نزل بشأنهم من القرآن:

(فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعو أبناءنا وأبناءهم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) (2)، ففي هذه الآية بيان تفصيلي خرج به النبي صلى الله عليه وآله لأهل المدينة، عندما دعا نصارى نجران إلى المباهلة، والمباهلة في اللغة هي الملاعنة، بمعنى الدعاء بإنزال اللعنة على الكاذب من المتلاعنَين، وهي مشروعة لإحقاق الحق وإزهاق الباطل، وقد روى مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: ولما نزلت هذه الآية: (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ) خرج رسولُ الله صلى الله عليه وآله ومعه حسن وحسين وفاطمة وعليّا، لمباهلة وفد نصارى نجران، بأمر من الله سبحانه، ولوكان هناك أفضل من هؤلاء الأطهار لأخرجهم معه، وباقتصار النبي صلى الله عليه وآله على هؤلاء الخمسة، تبيّن فضلهم المتفرّدون به على غيرهم.

وعندما نزلت الآية: ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (3) دعا النبي كما روته أم سلمة وروته عائشة بصيغة أخرى قالت فيه: خرج النبي غداة  وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فادخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فادخلها، ثم جاء علي فادخله ثم قال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (4) وفي مسلم نفسه ان معاوية ابن الطلقاء امر سعد بن ابي وقاص بسب علي بن ابي طالب فرد عليه: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله فلن أسبه ...ولما نزلت الآية: ( فقل تعالوا ندعو ابناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله عليا فاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم هؤلاء أهلي) (5)

وعجبي ممّن آثر اتباع أوهام من صرف آية التطهير عن أصحابها، بالادعاء أنها خاصة بنساء النبي وهي جزء من آية، فأصغى لوهم نسجه الحاقدون على صفوة الله، ولم يصغ لحقيقة أنّ اثنتين من نسائه وهما عائشة وام سلمة رويتاها بشأن الخمسة الطاهرين، ولو كان لهما فيها شأن لما ترددتا في ادّعائها، ووحدة السياق في هذه الآية نفتها أداة الحصر إنما وتحوّل الخطاب من التأنيث إلى التذكير دليل على انصراف المعنى من النساء إلى غيرهن، فتنتفي وحدة السياق هنا كما في قوله تعالى: ( يوسفُ أعرضْ عن هذا واستغفرِي لذنبكِ إنكِ كنتِ من الخاطئين) (6)

وتنصل من تنصل من مفسري القرآن الكريم، في استبعاد أهل البيت عليهم السلام من مدلول الآية، ومقصودها الذي خصهم بفريضة، هي عُرْبون جزاء للنبيّ صلى الله عليه وآله أرادها من الأمّة، بمودّة أهل بيته في حياته ومن بعده، لقاء ما قدّمه لهم من خير عميم، مودّة تجاهلها من تجاهلها منهم عمدا، هروبا من تبعات تحمّلها، أصرّ على استبعادهم عنها، حكام عُرِفوا تاريخيا بعداء لا مثيل له لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، وقد أفصح لنا من أخبار أزمنتهم بشأن وقائعه الكبيرة، ما برهن على ثبوت مواقف معادية اتخذوها بشأنهم، دون أدنى خجل، مما جنتْه أيديهم الآثمة بحق صفوة الله في هذه الأمّة، بلا ذنب جنوه حتى يُجازَوْا عليه، وإفراط هؤلاء الحكام الظلمة في القسوة على هؤلاء الأطهار، دليل على أنّهم أصحاب حقّ، يصرّ الظالمون على حجبه عنهم بأي طريق، وذلك ما اقترفوه بحقهم، وتبعهم عليه أجيال من المسلمين تعاقبوا على بشاعة ما تألّفوا عليه، لو أنّهم انتبهوا إلى الحقيقة لما تقدّموا في اتباعهم بهؤلاء الحكام خطوة واحدة، اذا كيف يمكن لمسلم عاقل أن يدخل مع حاكم في تسقيط وتسفيه ومعاداة ومحاربة أهل بيت اصطفاهم الله في الدينا، وجعلهم في الآخرة حكاما فيها بإذنه، لا أعتقد أن من سلمت مداركه العقلية يقبل بتحمّل تبعات جرائم بحق هؤلاء الأطهار، ليس له فيها نصيب من السّوء.

لم يكن تذكير النبي صلى الله عليه وآله بأهل بيته عليهم السلام سوى تحذير لما قد يحصل لهم من تجاوز على حقوقهم الواجبة، فقد جاء في إحدى ورايات أحمد والترمذي ومسلم وغيرهم قوله يوم غدير خمّ: (إنِّي تارِكٌ فيكم ثَقَلينِ أحدهما أكبر من الآخر كتابُ اللهِ حبل ممجود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. (7) وتأكيد على أهميّة دورهم العلمي والقيادي في الأمة، وهو دور حوصل قيمته هذا الحديث مع تعدد طرقه وتعدد مناسباته التي قالها النبي صلى الله عليه وآله بشأنهم، ومن هذا الباب حورب هؤلاء الأطهار من طرف غاصبي حقوقهم.

 

المراجع

1 – تفسير القرطبي ج3ص2 سورة الشورى الآية23

2 – سورة آل عمران الآية61

3 – سورة الأحزاب الآية 33

4 – صحيح مسلم ج7ص2424

5 – مسلم ج7ص120ح2404/ سنن الترمذي ج6ص86ح3724

6 – سورة يوسف الآية 29 

7 – مسند أحمد مسند ابي سعيد الخدري ج17ص169ح11104


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/07/09



كتابة تعليق لموضوع : عاشوراء الحسين أولى بالإحياء من أوهام الظالمين (3)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net