عاشوراء الحسين أولى بالإحياء من أوهام الظالمين (1)
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

مثلما عمل بنو أميّة على تفادي انتشار خبر شهادة عمار بن ياسر، وهو يقاتلهم ضمن جيش علي بن أبي طالب عليه السلام، خوفا من تبعات تعْرِية أهدافهم المنحرفة، وإظهارهم في موقف البغاة على الحق، كما صرّح بذلك النبي صلى الله عليه وآله، (تقتلك الفئة الباغية)(1)، فنسجوا عليه شخصية نسبوها إلى يهودي أطلقوا عليه كنية ولقبا ليوهموا المسلمين بأنّ شخص حقيقي، سعى بين المسلمين ليحدث فتنة قاتلة، وقد صدّق ذلك من لم يحترز لدينه من الأقاويل والاشاعات التي لا تستند إلى دليل مقنع بوقوعها، ولو كان جيش علي مهيعا ينتسب اليه كل من هب ودبّ، لقبل بقاء معاوية على ولاية الشام فكيف به يرضى بيهودي ركّبوا عليه أقاويل ادّعوا أنّه صاحب صناعتها.
كذلك فعلوا، كي يتنصّلوا من تبعات مقتل سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي عليه السلام، وخيرة أهل بيته وأصحابه في كربلاء، يوم العشر من المحرّم سنة 61 هجرية، ولم يكن خروجه الى العراق الا طلبا للإصلاح في أمة جدّه، وقد شكّلت تلك الثورة العظيمة في أبعادها المعنوية، عامل دفع قوي نسج على منواله أحرار الأمّة حركات ثورية إصلاحية في أهدافها، لم تسفك دماء خصومها الا بالحق، وطلبا لإقامة العدل، كما حصل في ثورة المختار الثقفي، عندما ثأر ممن اشترك في مقاتلة سيد شباب أهل الجنة في كربلاء سنة 66 هجرية.
دهاء وخبث الأمويين، دفع بمروّجي أباطيلهم إلى اختلاق فضائل وهميّة، نسبوها إلى العاشر من المحرّم، لكي يُنْسوا المسلمين ما ارتكبوه من ظلم وتعدّ بحق الامام الحسين وأهل بيته عليهم السلام، لكنهم لم يستقروا على حال في هذا التلفيق الذي خرجوا به للناس، فتباينت ادّعاءاتهم واختلفت اختلافا كبيرا، برهن على أنّها روايات موضوعة، لغاية صرف المسلمين عن حقيقة أن عاشوراء لا تتعدى كونها حادثة إسلامية مؤلمة وحزينة حصلت بين معسكرين:
- معسكر حق أظهر هدفه من وراء مجيء قائده إلى العراق، كان الإصلاح ولا شيء غيره، هذا المعسكر كان قليل العدد، لكنّه يحتوي على خيرة أهل الأرض أنفسا، فحوالي 73 شخص افزعوا طاغية العصر يزيد، ليرسل إليهم جيشا أمويا جرارا، تعداده كما أكثر من عشرون ألف مقاتل (2)
- معسكر باطل حشد عشرات آلاف المقاتلين، أُرسلوا أولا من أجل منع الامام الحسين من دخول الكوفة، خوفا من استجابة أهلها لدعوته، واستطاع بدهاء قادته (ابن زياد نموذجا) من افشال ما مهّد له سفير الامام الحسين مسلم بن عقيل من تلاحم قام بين القاعدة الشعبية وقائدهم العظيم.
خطورة ما أقدم عليه الأمويون من مقتله يوم العاشر من المحرم، دفعت بهم إلى استنفار رواتهم لتزييف تاريخ ذلك اليوم، وتحريفه عاشر محرم حقيقي ارتكبت في مذبحة شنيعة بحق صفوة النبي صلى الله عليه وآله، إلى يوم خير وبركة، نجّا الله فيه موسى من فرعون، ففي رواية:
أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَدِمَ المَدِينَةَ فَوَجَدَ اليَهُودَ صِيَامًا، يَومَ عَاشُورَاءَ، فَقالَ لهمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ما هذا اليَوْمُ الذي تَصُومُونَهُ؟ فَقالوا: هذا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللَّهُ فيه مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بمُوسَى مِنكُم فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بصِيَامِهِ (3)
وفي رواية أن عاشوراء كان يوما تصومه قريش في الجاهلية (4)
وفي رواية أن عاشوراء يوم نجا الله فيه عشرة أنبياء صادفت نجاتهم ذلك اليوم:
عن أبي هريرة مرفوعا: إن الله عز وجل افترض على بني إسرائيل صوم يوم في السنة يوم عاشوراء ... فصوموه، فإنه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم، وهو اليوم الذي رفع الله فيه إدريس مكانا عليا، وهو اليوم الذي نجَّى فيه إبراهيم من النار، وهو اليوم الذي أخرج فيه نوحا من السفينة، وهو اليوم الذي أنزل الله فيه التوراة على موسى، وفيه فدى الله إسماعيل من الذبح، وهو اليوم الذي أخرج الله يوسف من السجن، وهو اليوم الذي رد الله على يعقوب بصره، وهو اليوم الذي كشف الله فيه عن أيوب البلاء، وهو اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت، وهو اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل، وهو اليوم الذي غفر الله لمحمد ذنبه ما تقدم وما تأخر، وفي هذا اليوم عبر موسى البحر، وفي هذا اليوم أنزل الله تعالى التوبة على قوم يونس ..وزاد بعضهم ادريس وسليمان وأيوب (5)
هناك من علماء العامة من أنكر روايات نجاة هؤلاء الأنبياء، واعتبرها من الموضوعات، ذكر ذلك الحلبي في سيرته، والسيوطي في اللاليء المصنوعة: موضوع. ورجاله ثقات، والظاهر أن بعض المتأخرين وضعه، وركبه على هذا الإسناد، أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات، وقال: هذا حديث لا يشك عاقل في وضعه، ولقد أبدع من وضعه وكشف القناع ولم يستحي ... ولو ناقشناه على شيء بعد شيء لطال، وما أظنه إلا دس في أحاديث الثقات، وكان مع الذي رواه نوع تغفل، ولا أحسب ذلك إلا في المتأخرين(6).
فكيف بمن علم من المسلمين دراية، أن سيد شباب أهل الجنة قتل في خيرة من أهل بيته وأصحابه ظلما وعدوانا، ودون مراعاة لمودّته التي فرضها الله على الأمّة الإسلامية أجرا لرسالة نبيّه، أن يستأنس بمفتريات صنعتها عقول آثمة، سينالها من وزر ما اختلقت من باطل للتستّر على أفظع جريمة في تاريخ الإنسانية؟ وكيف يتفق يوم عاشوراء من شهر محرم القمري، مع تاريخ اليهود الشمسي؟
وكيف يستسيغ مسلم عاقل فيقبل بجهل النبي صلى الله عليه وآله، يوم نجاة موسى عليه السلام، وهو المتصل بالوحي مباشرة يوم نجاة موسى، فيقبله من اليهود وهم محرّفو دينهم وقتلة أنبيائهم؟ عجبا لعقول تصحّرت فلم يعد فيها ما يصلح للتمييز بين ما هو معقول ومقبول وبين ما هو خرافة ومرفوض، مع وجود تلميحات وإشارات صادرة من بعض عقلاء علمائهم رافضة جملة من هذه الروايات، فهل من عاقل يستعيد عافية فكره ليعتبر أن عاشوراء يوم واحد خاص بالمسلمين، عمل الطغاة الامويون وأتباعهم على محو اثاره بالأكاذيب، وهيهات أن يضيع حق الحسين وأهل بيته عليهم السلام، ستبقى عاشوراء الحسين مُلْهِمة الثوار والاحرار، ولن يستطيع الظالمون إخفاء جريمتهم النكراء في ذلك اليوم بافتعال الأكاذيب، وسيبقى الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة كما أخبر عنه جدّه الأكرم صلى الله عليه وآله.
المصادر
1 – حلية الأولياء أبي نعيم الاصفهاني ج2ص198
2– اللهوف ابن طاووس ص85/ الفتوح ابن الأعثم الكوفي ج5ص89/90
3 – صحيح مسلم ج3ص150ح1130
4 – صحيح مسلم كتاب الصيام باب صوم عاشوراء ج3ص146ح1125
5 – عمدة القاري في شرح صحيح البخاري للعيني ج17 ص135
6 – https://www.islamweb.net/ar/fatwa/361267/
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat