في تونس مخاطر من أن يُتّخذ التشيع مطيّة تحريض
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

لم يكن التشيع في تونس وليد سنة 2019 - ولا كان مرتبطا بظهور شخص مفاجئ - لمن يريد ان يفهم ويعي حالة لم تكن طارئة ولا غريبة عن مجتمعنا المتنوع والمسالم بطبعه، فالتشيع فكر وقناعة وانتماء يمتد في عمق التاريخ القديم والمعاصر له مؤسسوه، وقد اسهمت ثقافة الثورة الاسلامية الايرانية حديثا، من خلال مؤلفات مفكريها، في احداث فهم حقيقي للإسلام الثوري، وكان الامام الخميني رضوان الله عليه وكبار تلاميذه كالشهيد مرتضى مطهري، والشهيد السيد الصدر الاول رضوان الله عليهما قد اسهما في نحت شخصية اسلامية شيعية ثورية، مكنتها من التأثير في اوساط مجتمعاتنا، وافرزت نخبة من المؤمنين بحقانية قيادتها لهذه المرحلة الممهدة لقيام الاسلام المحمدي الاصيل، وهي مبان فكرية ترسخت في عقول من آمن بجدواها، في مقابل مذاهب اسلامية اخرى لم تقدم ما كان يأمله اتباعها منها.
خلالها كانت بيوتنا حسينيات، ومكانا للنشاطات الثقافية والتعليمية والاجتماعية، فلم يعقنا شيء من فقد أماكن عبادة خاصة بالشيعة كالحسينيات، ولو كانت موجودة وقتها، لما امكن لنا ان نشق طريقا سالكا بواسطتها، في مجتمع لم يألف مثل هذه الاماكن بين عمران مدنه وقراه، ويراها حالة غريبة عنه، فلا الدولة حينها تقبل بذلك التواجد، ولا فئات من الشعب تسمح بانتصابها، لجهالة دورها لدى افراده حتى نخبه المثقفة التي غلب عليها التغرب، وسوء فهم لطبيعة الفرق الإسلامية .
اما في هذا الزمن اي منذ 2011 ومع تغير الاحوال في البلاد من نظام قمعي الى نظام بديل عنه اتاح هامشا من الحريات، واعطى لنا امكانية ان ننخرط في صلب المجموعة الوطنية بمشاريع ثقافية، تمثلت في تكوين جمعيات ثقافية، أساسها ثقافة وتراث أئمة أهل البيت عليهم السلام، ومن النشاطات السرية التي رافقت حياتنا في العهدين السابقين، دخلنا مجال النشاط العلني، في صلب المجتمع داخل مؤسسات ثقافية، مفتوحة لمن يريد الاطلاع عليها، والحضور في نشاطاتها الفكرية أو المناسباتية الخاصة بتواريخ النبي وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام.
على هذا الاساس كان اسهامنا الثقافي ما بعد 2011، ولم تكن هناك حاجة الى استنساخ حسينيات، كما هي حال التواجد الشيعي في المشرق، وكانت مؤسسة على أغلبية ديمغرافية شيعية، عملت بمقتضى ما خول لها تواجدها، ولم يكن هناك ما يعوق نمط عيشها وتقاليد حياتها هناك، فقامت جمعيات ثقافية في تونس بعد حصولها على تراخيص قانونية، وباشرت أنشطتها الثقافية في مقرات معروفة، جاء اليها وانخرط فيها كل من رغب في ممارسة وشاطها الثقافي والمعرفي والديني.
وعند ظهور الشيخ بوعوده التي أطلق اعنتها في قدرته على منح تراخيص حسينيات ومساجد تحمس لدعوته من تحمس عن حسن نية منهم، ومن مركز اهل البيت الذي اسسه بضاحية تونس الجنوبية، قدم اليه هؤلاء من مختلف المناطق من البلاد، لعل فيهم من كان على علم بوعود الشيخ في بناء الحسينيات والمساجد، وكان يأمل في فتح حسينية او مسجد في جهته، لكن تلك الوعود سقطت في الماء ولم يتحقق منها شيء.
ما اريد ايصاله من افكار ضرورية بالنسبة الينا في تونس، ان اي دعوى تطلق من اي شخص كان ويكون في أساسها، شبهة اثارة حساسية طائفية من شانها ان تحدث شرخا في المجتمع التونسي يجب ان تتوقف، وتعالج بالحكمة والمنطق، فليس المسلمون الشيعة دعاة تفريق منذ ان وجدوا، والتشيع في حد ذاته ليس مظهرا يمكن اعتماده للبروز والشخصنة، بل هو موقف وفكر صريح، دعا الى الاصلاح في الامة ولم يثر نعرة جاهلية، بل كتن طوال تاريخه ملجأ للمظلومين وملاذا للمحرومين بقطع النظر عن أجناسهم وألوانهم.
ما عتبنا عليه الشيخ خطأه في كتابة ميثاق تعايش سلمي، لا تزال دوافعه مجهولة بالنسبة لأغلبية من سمع به ومن حضر الامضاء عليه في أحد الفنادق بالعاصمة، وتحت اشراف مؤسسة التلاقي attakaki الموجود مقرها في الدانمارك والممولة امريكيا بمباركة السفارة الامريكية نفسها، والتي تعمل على التمهيد لمشروع الغاء الاديان وصهرها في الإبراهامية الامريكية، مع ان الدستور التونسي الجديد كافل لحرية الضمير في فصله السابع والعشرون الذي ينص على الدولة تضمن حرية المعتقد وحرّية الضمير، وفي فصله الثامن والعشرون تحمي الدولة حرية القيام بالشعائر الدينية ما لم تخل بالأمن العام.
فلسنا بحاجة والحال هذه إلى تأليف ميثاق للتعايش بالصيغة التي تألفت منها فقراته، وأكثر من ذلك أنه من المحزن والمؤسف حقّا، ان يمضي شيخ بلباسه الرامز اليه على ميثاق مع مكون مجتمعي لم يبلغ واحد بالمائة، فيهم اخطر الفرق على الاسلام وهي البهائية رديفة الصهيونية - وقد رأينا تورط أعضائها في ايران في اعمال تجسسية لفائدة إسرائيل- مع المرتدين عن الاسلام الى المسيحية، ومع يهودي معروف بصهيونيته، على أنه يمثل يهود تونس، وكما قلت فهؤلاء لا يمثلون شيئا يذكر مع المكون السني الذي يصل الى % 99 ، ولو ان هذا الميثاق امضى عليه اغلبية المكون التونسي لكان جيّدا، أما بإشراف ومتابعة ومباركة من السفارة الامريكية، فذلك شان آخر لا يجب اغفاله، مع مساعي امريكا الحثيثة، من أجل تثبيت مشروعها الخطير، الهادف الى سلب الدين مقوماته الثورية الرافضة للظلم والاستكبار والصهيونية.
الاسلام المحمدي الاصيل الذي مضى عليه النبي واهل بيته عليهم السلام كعبته واحدة ومسجده واحد بيت الله الذي يعبد فيه، وما كان ائمة الهدى لتفوتهم حالة الانعزال عن المجتمعات الاسلامية فكانوا يوجهون شيعتهم الى اتباع سبيل الالفة والمودة لإخوانهم من بقية الفرق الاسلامية (خالقوا الناس بأخلاقهم، صلوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا، فإنكم إذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية، رحم الله جعفرا، ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه، وإذا تركتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ما كان أسوء ما يؤدب أصحابه ).
وصلاة التونسيين الشيعة في مساجد البلاد المنتشرة في مدن وقرى تؤنس تدفع شبهة ما يروجه اعداء الشيعة من انهم لا يصلون او ان لهم طقوسا في صلواتهم غير اسلامية، والمساجد هي بيوت الله سبحانه ليس من حق أحد أن يعنونها بعنوان مذهبي تفريقي، ومن الخطأ اعتبارها كذلك.
لم يكن التشيع في تونس لينتظر مجيء شخص غريب وغير معروف على وجه التحديد لكي يطرح افكارا شخصية او بدافع ممن يجهل الشيعة في تونس، لا تتماشى مع ما هو مطلوب حقيقة ولا يتعارض مع اجواء المجتمع السني والبلاد التونسية عامة، كل ما يسعى اليه الصادقون هنا هو الانخراط ضمن المكون العام للبلاد من دون اثارة حساسيات يعمل اعداؤنا على استغلالها وتأجيج نارها.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat