تأمّلات في بشائر النصر الإيراني
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

لم ييأس الاستكبار العالمي بقيادة أمريكا، من ثني إيران عن هدفها في القضاء على إسرائيل، بعدما أعلن ذلك قائد ثورتها الامام الخميني، معتبرا ايّاها غدّة سرطانية يجب أن تزول من المنطقة، ولم يكن توصيفه لها سوى اعلان حقيقي من أجل التخلّص منها، بدأ بتنفيذه بقوّة نظام بلاده، بعدما جعله مقدّمة مشاريعه وأهدافه، وتزامنا مع مساعدته الفاعلة، في تأسيس حركات مقاومة المشروع الصهيوني بفلسطين، بمرحلة بناء صناعة عسكرية، لم يكن من السهل على دولة أخرى القيام بها، نظرا للعراقيل الكبيرة التي اعترضت طريقها، ومع ذلك تواصلت مشاريعها، بهِمَمِ أبناء شعب متجذر في حضارته، جاءنا من الإشارات النبوية إليه، أنهم أعزّة لا يقبلون بالذلّ، وشداد كزبر الحديد.
وبنظرة سريعة في تاريخ ايران المعاصر، بدأ من انتصار ثورتها الى اليوم نستطيع أن نفهم أيّ دور عظيم قامت به من أجل نُصْرة قضيتها المركزية، وما لاقته من عَنَتِ القوى الغربية، ومؤامراتها التي لا تكاد تُحصى، ولو استعرضناها لما كفانا المجال لتعدادها، لكننها سنكتفي بالإشارة إلى أهمّها، حتى تبدو الصورة أكثر وضوحا وتعريفا، وأساس دسائس أمريكا وحلف شرّها المستطير، اسقاط النظام الإسلامي فيها، حتى ينتهي كابوس إسرائيل، الذي ظلّ يلاحق كيانها اللقيط طيلة 45 سنة، فسلسلة الأعمال الإرهابية الممولة أمريكيا وغربيا وصهيونيا، طالت كبار قادة الثورة والنظام، أهمّها تفجير مقر حزب (جمهوري إسلامي) وتفجير (مجلس رئاسة الوزراء)، وحرب الثماني سنوات العدوانية التي شنّها صدام، وسلسة اغتيالات علماء الدين وعلماء الذرة الإيرانيين، والعقوبات القاسية التي لحقت بالمؤسسات الاقتصادية الإيرانية، كلّها تؤكّد بما لا يدعُ مجالا للشك، أنّ ما يخطط له الاستكبار العالمي بقيادة أمريكا، يصبّ جميعه في هدف واحد، وهو اسقاط النظام الإسلامي، بأيّ طريقة ممكنة، ولو تطلّب ذلك تعدد الأساليب والوسائط.
خسائر جسيمة التي منيت بها إيران، على مدة أربعة عقود ونصف، لم تثنها عن مشروعها الأساس، ولا صرفتها عنه بدافع ما، بل كانت لصيقة به رابطة مصيرها بمصيره، متكّلة على الله فيه وعزيمة وإصرار شعب، عبّر عن وفاء منقطع النظير لقضية فلسطين، معتبرا أنها قضيته المركزية، بعدما تبنّاها قائد ثورته الإمام الخميني، في الاثناء كانت أمريكا وقوى الغرب مجتمعة، بصدد الكيد والتآمر على ايران بوتيرة أكبر، خصوصا بعدما وقفوا على جدّية المشروع الإيراني المقاوم للاستكبار والصهيونية، وأنّه قد بلغ مستوى عال من الاعتداد والقوّة، بما لا يسعهم السكوت على تعاظمه، وعلى سنوات خوالٍ حضّروا مؤامرة كبرى لإسقاط النظام في ايران، وقاموا بتنفيذها في 13/6/2025 من الداخل، تزامنت مع عدوان صهيوني على منشآتها النووية.
وفيما كانت إسرائيل تتهيأ لإعلان نجاحها في تركيبة مؤامرتها، تماسك النظام الإسلامي واستوعب الصّدمة، بفضل حكمة قائده الامام الخامنئي، وبسرعة صدرت أوامره بتعيين خلفاء القادة المستشهدين غدرا من الداخل، فبادروا إلى ردّ كيد الصهاينة إلى نحورهم، وشهد العالم بأسره ما لم يكن يتوقعه، من ردّ عسكري مؤثّر في داخل الكيان الصهيوني، معسكرات ومطارات وثكنات، ومناطق شديدة الحساسية والأهمية، مثّلت شريان حياته، وعصب حركته العدوانية في العمق الفلسطيني المحتل، ما أربك حساباته جميعا، وأذهل مستوطنيه وقادتهم السياسيين والعسكريين.
لقد مثلت الصواريخ الإيرانية التي تهاطلت في العمق الفلسطيني المحتل، عنصر تفوّق استراتيجي واضح في مرحلة متقدمة، فهي صواريخ فرط صوتية دقيقة ذات كفاءة عالية جدا، لم تتمكن الدفاعات الجوية الأربعة من اسقاطها واصابت أهدافها بدقّة كبيرة، ما أحدث معادلة ردع مُهِمّة، أمام التفوّق الجوّي الذي منحته أمريكا لإسرائيل، ولولا أمريكا ودول الغرب المتحالفة معها، لسقط مشروعها الخبيث في المنطقة، إذا كانت إسرائيل عل أبواب الانهيار الداخلي، بعد جمود كلّي للحياة في مستوطناتها ومدنها، وهو ما سرّع الى نجدتها وإنقاذها من مصير سيء.
جاء التدخل الأمريكي بضرب ثلاث مواقع (ناطنز) و(فوردو) و(أصفهان) بطائرات ب2 الشبحية و6 بقنابل زنة الواحدة منها 14.000 لتفرض على ايران ردّا على جريمة خطيرة، ما كان لها أن تقع لولا التواطؤ الدولي، لكن ايران قررت بناء على ذلك الردّ أولا باستهداف اكبر قاعدة بالمنطقة وهي قاعدة عيديد بقطر، وتهيأت لإغلاق مضيق هرمز في وجه الملاحة، وكان ذلك مؤشر لتوسع الحرب، وذهابها الى نهايات مجهولة، أدرك بها الرئيس الأمريكي أن مصالح بلادها أصبحت مهدّدة بشكل خطير، فبادر الى اقتراح وقف اطلاق النار بين الكيان وايران لكن ايران رفضت ذلك وقبلته على أن تكون هي التي تنهي القصف من جانبها، وكان لها ما ارادت، واختتمت وجباتها الصاروخية نحو المناطق منتخبة من الكيان الصهيوني، في الشمال والوسط والجنوب، بصواريخ لم تستعملها من قبل، كان لها أثر تدميري كبير اثر اصابتها أهدافها.
ضرب قاعدة عيديد وختم الردّ على عدوان إسرائيل، اعتبرهما الامام الخامنئي بشائر نصر قادم، هذه جولة برهنت فيها ايران أنها دولة مقتدرة، وجديرة بفرض لونها العسكري المفاجئ، الذي اعتبره مراقبون مؤشرا كبير سيكون في المستقبل دعامة أساسية لإنهاء وجود كيان أكثر من العربدة في المنطقة، ولم يكن له رادع سوى هذه الصواريخ المباركة التي الغت نهائيا حالتين: الأولى القبة الحديدية ودفاعاتها الجوية المتعددة، والثانية نهاية زمن الأمن والأمان داخل فلسطين المحتلة، بالنسبة للمستوطنين الصهاينة، واعتقد أنه لم يعد هناك مجال لعودة نسبة ممن هربوا منهم، ومن بقوا لا أراهم سينسون ما حصل لهم طوال عشرة أيام في الملاجئ، ومنهم من التجأ الى قنوات الصرف الصحي الكبيرة هربا من الصواريخ الإيرانية، اعتقد أنها أوضاع مقرفة لا يمكن نسيانها بالنسبة لهؤلاء المجرمين.
كل الذي حصل هذه الأيام، كانت غزة محوره وسببه وتداعياته، من إيران إلى اليمن وجنوب لبنان، فغزة حاضرة في وجدان النظام الإيراني وحواضنه الشعبية المقاومة بقوة، لذلك فإن رفع المظلمة عنها سيتحقق رغم أنف الصهاينة، وسنشهد تراجعا عسكريا من جانبهم في القطاع المنكوب، فرضه التفوّق الإيراني في هذه الحرب، في زمن لم تعد الدبلوماسية تفيد بشيء أمام غطرسة أعداء الإنسانية، فمن ملك عناصر القوة أخذ بزمام حقوقه، ومن فقدها فقد حقوقه وخسر حياته.
هي بشائر نصر مؤزر قادم أعدت له إيران عدّته، ولن يطول الزمن من أجل تحقيقه وهذا ما تفوه به افيغور ليبرمان مستنكرا بالقول: (وقف إطلاق النار دون اتفاق واضح سيقودنا إلى حرب أخرى خلال عامين أو 3 أعوام وفي ظروف أسوأ بكثير) ، لقد تضمّن هذا التصريح اعترافا بأن ايران ستعيد الكرّة لكن هذه المرّة ستكون أشد قسوة وإيلاما، ما تمتلكه إيران عسكريا يمهّد للنصر المؤزر القادم، وما حصل اليوم هي بشارته.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat