ممّ تحررت سوريا؟
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

منذ الثمانينات انصبّت دعاية حركة الاخوان المسلمين على النظام السوري ادانة وتخوينا - ولست هنا في مقام الدفاع عن أحد ولكن من أجل بيان ما أخفي عنّا من حقائق - فحمّلوه ما بدا لهم من جرائم، خصوصا فيما تعلّق بحماه من قصف أدّى إلى مقتل آلاف السوريين، ولم يُعقّب هؤلاء الدّعاة وكنت استمع إليهم مستنكرا ومجرّما النظام وقتها، دون إلمام بحقيقة ما جرى، والمتمثل في أنّ النظام السوري قام بقصف المنتمين للحركة بعد ارتكابهم جرائم عديدة أهمّها تصفية تلاميذ ضباط مدرسة المدفعية بتاريخ السبت 16 جزران يونيو 1979، الواقعة في منطقة الراموسة في مدينة حلب، وأسفرت عن مقتل 50 إلى 82 طالباً من طلاب المدرسة، معظمهم من الطائفة العلوية، وجرح حوالي 54 طالباً حسب الرواية الرسمية، ووفقًا لرواية الطليعة المقاتلة التي ذكرها أبو مصعب السوري عمر عبد الكريم في كتابه "الثورة الإسلامية الجهادية في سوريا"، قتل 250 طالباً (1)
بعد ذلك التاريخ بدأت عمليات الاخوان الإرهابية بسلسلة تفجيرات، استهدفت مناطق حيوية بدمشق، ففي أغسطس 1981، استهدف مقر رئاسة الوزراء لتفجير سيارة مفخخة، وأخرى أمام مقر قيادة سلاح الجوّ، وثالثة هجوم بالقنابل على مقر الخبراء السوفييت في المدينة، وأكبره تفجير الأزبكية الذي تم عبر زرع عدد كبير من العبوات الناسفة تحت السيارات، في الحي الذي يحوي مراكز أمنية عديدة، ما أدى إلى مئات القتلى والجرحى، وحسب مجلة النذير بلغ عدد ضحاياه 500 قتيل.(2)
كذبوا علينا بإطلاق دعاياتهم بإظهار النظام هو المعتدي وهم ضحاياه، بينما الحقيقة خلاف ذلك ومن أعلن حربه على السلطة القائمة عليه أن يتحمل تبعات ذلك القرار، خصوصا إذا تضمّنت خططه استهداف الأماكن التي عادة من يرتادها المدنيون، فيكونون طرفا من ضحايا العمليات التفجيرية، التاريخ لم يغفل عن تسجيل مثل هذه العمليات الإرهابية، فدوّنها عل صفحاته ليكشف لنا وجها مزوّرا للضحية ويضع في المقابل النظام في قفص الاتهام بأنّه سحق حماه، وقتل أكثر من 25000 مدني، هكذا ودون سابق انذار.
ندرك جيّدا حق ايّ شعب في التحرر من نظام الحكم الذي لا يحقق طموحاته ولا يستجيب لمبادئه، وهذا الحق مشروع لا غبار عليه، ولا يعترض عليه من يرفض العيش تحت الاذلال والاكراه والاحتياج، لكن المرفوض هنا أن تسلك حركة نابعة منه سبيل المقاومة العشوائية دون مراعاة للمدنيين أو استعمال طريق التمييز الطائفي للإنتقام من فئة معيّنة من الشعب السوري، وهو ما يستهدف اليوم في عهد ما بعد بشار وحزب البعث الطائفة العلوية والشيعة والدروز والكرد، مما يدفع إلى تقسيم سوريا إلى مناطق متنامية العداء، وهي النتيجة التي يسعى اليها الكيان الصهيوني، وتحقق مرحليا مخططه في الاستيلاء على الشام، وضمها الى مشروعه إسرائيل الكبرى.
وفيما تستمر القوات الصهيونية في اعتداءاتها، مكثفة توغلاتها وتمركزها داخل الأراضي السورية، لم يبدي النظام السوري ما من شأنه أن يدفع قواته إلى التصدي لتلك الاعتداءات، فمجرد التنديد لا يكفي للبرهنة على أن النظام الجديد بريء من تورطه في التآمر على بلاده، ومن اتهم النظام السابق بأنه لم يطلق طلقة واحدة من أجل التعبير عن مقاومته للاحتلال الصهيوني للجولان، عليه أن ينظر اليوم الى أن النظام الحالي فتح باب احتلال جنوبه على مصراعيه، أمام كيان صهيوني تتجاوز اطماعه سوريا إلى ما بعدها، في العراق ولبنان والأردن وشمالي الحجاز.
عند استيلائه على الحكم في سوريا، تبجّح الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع بأنه أخرج إيران وحزب الله من البلاد، وكانتا تمثلان معا خطرا على إسرائيل، وعائقا حقيقيا منع الجماعات التكفيرية من الاستيلاء على بلاد الشام، بعد أن كادت تسقط، وقد قدم خدمة كبيرة للكيان الصهيوني، في استبعاد قوتين جادتين في اطار مقاومته، كمشروع الغربي الصهيوني من جبهة الجولان، وكانت خيارا هجوميا محتملا في المستقبل بإمكانها اسناد جبهة الشمال جنبا الى جنب مع لبنان ، واليوم يعود أحمد الشرع للتذمّر مجددا من اعتداءات إسرائيل أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وأنّ ما قانت به من اعتداءات يعتبر اعلان حرب من جانب واحد، في مقابل عجز بلاده عن الرد أو فعل شيء من شأنه ان يوقف تمادي إسرائيل في اعتداءاتها، ومع ذلك فان مجيئه يأتي بهدف ابرام اتفاق امني مع إسرائيل، لم يجرؤ عليه أحد من قبله.
الشرع في كلمته خلال قمة على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم الاثنين، قال إنه توصل إلى مرحلة متقدمة في المحادثات الأمنية مع إسرائيل يأمل أن تحافظ على سيادة سوريا وتبدد المخاوف الأمنية الإسرائيلية. المرحلة الأولى هي الاتفاق الأمني وإذا كانت لدى إسرائيل مخاوف فيمكن أن تتم مناقشتها عبر وسطاء، لافتا إلى أن سوريا ذاهبة في اتجاه ألا تشكل أراضيها أي تهديد لأي منطقة. الشرع اعتبر أن أغلب اتفاقيات السلام التي حصلت مع إسرائيل، تمت بين أنظمة حكم وليس الشعوب، ويتعين تقييم اتفاقيات ابراهام واتفاقيات السلام، جرت في ظل حكم الرئيس المصري أنور السادات وملك الأردن الحسين بن طلال. وأكد أن حالة الغضب في سوريا وحول العالم تجاه ما يحصل في غزة، تؤثر في موقف بلاده تجاه اتفاقيات إبراهام.
وحول العلاقات مع روسيا وإيران وحزب الله، شدد الشرع على أن هناك حساسية من السوريين في هذا الشأن، لكن عقل الدولة يجب أن يعمل بطريقة استراتيجية، وهناك مصالح استراتيجية للبلد، مؤكدا ضرورة أن تكون لدى سوريا علاقات هادئة مع المجتمع الدولي، هذا ولم ينسى الشرع مطالبة واشنطن برفع العقوبات المفروضة على بلاده والمرتبطة بقانون قيصر، وان إزالة الرئيس الأمريكي لبعضها لا تكفي، على أساس أن القطيعة التي كانت قائمة بين واشنطن والغرب من جهة والنظام السوري السابق من جهة أخرى قد انتهت اليوم بوجود نظام جديد، يلبي رغبات كانت معدومة من قبل(3)، وعليه فبإمكان السلطة الجديدة تلبية تلك الرغبات، تعبيرا عن تغيير جذري في استراتيجية سوريا الجديدة.
هكذا اذا وبكل وقاحة يعلن رئيس المرحلة الانتقالية لسوريا ما بعد بشار عن سياسة بلاده الخارجية المتواطئة مع أمريكا وإسرائيل والغرب، دافعة سوريا من جبهة ممانعة ومقاومة، الى جبهة تطبيع وخضوع لمخططات أمريكا وإسرائيل، في التحكم بالمنطقة تقسيما وتفتيتا، وتضييعا للحقوق التي تألف عليها شعب سوري، لا أعتقد أن أحراره سيقبلون بمثل ما جاد به الشرع لأسياده الصهاينة والغربيين من خضوع وقبول باحتلال مزيد من الجولان ودرعا والسويداء، بعد هذا يحقّ لنا القول: ممّ تحررت سوريا؟ وأيّ ثورة تلك التي جاءت بحكومة منتهى أملها إرضاء إسرائيل وأمريكا؟
المراجع
1 – مذبحة مدرسة المدفعية في حلب
2 – تفجيرات دمشق 1981
https://ar.wikipedia.org/wiki/
3 – الشرع: توصلنا لمرحلة متقدمة في المحادثات الأمنية مع إسرائيل
https://www.aljazeera.net/news/2025/9/22/
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat