من بقي من السفهاء لم ينل جائزة نوبل للسلام؟
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

نادرا ما توفق اللجنة الموكل اليها اسناد جائزة نوبل للسلام في اختياراتها وذلك عائد الى ان عملية اختيار المرشح تخضع لمعايير سياسية يتمّ اختيار الفائز بها، وإن كان لا يستحقّها من الأساس، تتطابق في اسنادها للشخص أو المنظمة أو الجمعية، تعبيرا على موقف دول الغرب بزعامة امريكا من قضية سياسية برزت في تلك السنة، والغاية من ذلك غير خافية، وهي ايهام الناس بأن الغرب يسعى عبر هذه الجوائز العالمية، إلى المساهمة في تهيئة الأجواء، لعالم يستتب فيه السلم ويأمن فيه الناس.
الفرد نوبل الذي فتح باختراعه التي أن تي ب أبواب جهنم على العالم أراد ان يكفر عن جرمه باعتماد جوائز باسمه من ثروته التي تركها، لكنّه واقعا لم يجني من ذلك خيرا فقد استغلت جائزته للسلام ابشع استغلال حيث نالها ما لا أهلية لهم في الحصول عليها فغالب هؤلاء المتوجين بالجائزة لم يحققوا شيئا من سلم إقليمي أو جهوي أو عالمي، ولا قدموا ما من شانه أن يؤسس له في مجتمعاتهم وبلدانهم، وباستعراض سريع لشخصيات منحوا الجائزة ندرك بسهولة إلى أي مدى من السفاهة وصل الأمر بلجنة اسنادها، وتنكشف الغاية الخبيثة من وراء اختياراتها الخاطئة، فالإضافة إلى عدد من الشخصيات الامريكية كجيمي كارتر رئيس أمريكا الثامن والثلاثون عرّاب كامب دافيد الذي اسندت له الجائزة سنة 2002 بناء على جهوده في تحييد مصر عن دورها القيادي بشأن قضية فلسطين، والايقاع بها في مستنقع تطبيع ما كان له ان يحصل لولا العمالة التي طبعت الرئيس السادات في ذلك الوقت بدعوى شجاعته، واقدامه على الذهاب الى الكنيست الصهيوني، ليفاجئ العالم بإلقاء خطابه هناك – وهو ترتيب سياسي مسبق انطلى على الناس- فكان بغبائه المفرط الباب الذي انفتح على الأمة، ليكون مثالا سيئا للتطبيع مع عدوّ صهيوني غادر ومخادع، وفي جعبته مخطط توسّع رهيب في المنطقة، وبذلك نال جائزة نوبل للسلام مناصفة مع مناحيم بيجين سنة 1978.
وعندما نرى من الأمريكيين الذين حصلوا على جائزة نوبل للسلام ك جورج مارشال 1953 وهنري كيسنجر 1973 وباراك أوباما 2009 نفهم مدى تأثير السياسة الأمريكية في اختيار الفائز، خصوصا بالنسبة للذين كانوا في خدمة مصالحها بصفة خاصة وتحقيق أهداف الغرب بصفة عامة، فمحمد البرادعي الذي أسندت اليه الجائزة سنة 2005 كان مستجيبا للضغوط الأمريكية بشأن إيران وملفها النووي السلمي، ومن أجل مواقفه المشككة لسلمية الملف أسندت اليه جائزة نوبل للسلام.
ولأجل استكمال عملية الاستيطان الصهيوني على أرض فلسطين جيء بعرفات ليكون أول رئيس سلطة فلسطينية ذليلة خاضعة للكيان الغاصب، بلا حول ولا قوة، تحت مؤمّل حلّ الدولتين الذي تبين وهمه بعد الذي حصل من اعتداءات عديدة ومتكررة على لبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران، أكدت فيه اسرائيل انها كيان لا يتعايش مع المنطقة سلميا وهو الذي قام منذ تأسيسه على العدوان والتوسع انتهاك الحقوق، وجيء بعرفات ليرتقي منصّة التفريط في حق الشعب الفلسطيني في الكفاح المسلح من أجل استعادة أرضه، مع من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء الفلسطينيين، إسحاق رابين وشمعون بيريز، لتسند الى ثلاثتهم الجائزة سنة 1994 ايهاما للعالم بأن حل القضية الفلسطينية يأتي من هذا الباب من التفاهم السلمي.
وتستمر اللجنة في تسويق أوهامها للعالم باختيار الرباعي التونسي الراعي للحوار لنيل الجائزة سنة 2015، ونحن بتونس لم نرى لهؤلاء الأربعة دورا يذكر في هذا الشأن، انما كانت عملية ضحك على ذقون شعبنا، لم نستوعب منها الدرس والحذر من قوى غربية لا تزال تناور وتعمل من أجل أن يتحكم فينا من لا أهلية لهم على الاطلاق، ليستمر الأداء الخبيث للجنة اسناد جائزة نوبل للسلام لتنتقل من شخص أعلن تبيعته للغرب وخدمة أفكاره ومخططاته، مثل اليمنية توكل كارمل سنة 2011 التي تبرّأ منها اليمنيون، واعتبروها عميلة للغرب.
وفيما كان العالم ينتظر أن تسند اللجنة جائزة هذه السنة 2025 إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو الذي لم يتحرك لإيقاف اعمال إبادة أهل غزة من طرف القوات الصهيونية، الا لأجل تبييض شخصه من جرائم الكيان الصهيوني الذي أعطاه الضوء الأخضر لارتكاب كل تلك الجرائم بحق الفلسطينيين واللبنانيين واليمنيين والعراقيين والإيرانيين، جاء قرار اللجنة غير بعيد عن ترامب، بل اعتقد أنه راض على اسناد الجائزة إلى امرأة فنزويلية مولدا لكنها أمريكية وصهيونية فكرا وموقفا وهي (ماريا كورينا ماتشادو)، التي ما ان أبلغت بإسناد الجائزة اليها حتى عبرت عن غبطتها، بالتصريح أنها تُهدي الجائزة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كان ينتظر اسنادها اليه.
زعيمة معارضة صنعتها السياسة الأمريكية، بمعنى أنه لا شعبية لها تمتلكها في بلادها، وكل رصيدها مجرد وعود أمريكية بتنصيبها في كاراكاس، بدلا عن الرئيس المنتخب شعبيا (نيكولاس مادورو)، فأي رصيد نضالي تمتلكه هذه المرأة الغير وطنية حتى تسند لها جائزة نوبل للسلام؟ اللجنة النرويجية منحت (ماتشادو) الجائزة تقديراً لنضالها السلمي من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في فنزويلا، رغم التهديدات والملاحقات التي واجهتها من حكومة (نيكولاس مادورو)، بحسب التقارير الغربية، ولولا تصريحات من اعتبرها الامريكيون زعيمة معارضة فنزويلية، المتطابقة مع السياسة الأمريكية في تعبيرها عن صهيونية فاضحة، لما قد يكون دورها المستقبلي الخبيث، ان نجحت أمريكا في مخططها بتغيير نظام الحكم في فنزويلا ، لما أسندت اليها اللجنة جائزة هذه السنة، وكأني بها أداة رفع رصيد ومعنويات، من أجل ايهام الشعب الفنزويلي بان المرأة خيار جيّد لمستقبل البلاد.
هكذا تتحالف قوى الغرب من دول ومؤسسات شخصيات ولجان ومخططات تستهدف جميعها حريات الشعوب ومحاولات اخضاعهم واستغلال مواردهم خصوصا في مجالي الطاقة والأمن، وليس هناك أخطر من التهديدات الأمنية التي تعاني منها دول متحررة من التبعية الأمريكية كفنزويلا وكوبا اللتين تعانيان الى اليوم من التهديدات والعقوبات الأمريكية التي تستهدف اخضاعهما لمشيئة تتعارض قطعا مع إرادة الشعبين الكوبي والفنزويلي، وايران ليست بعيدة عن هذا الاستعداء الأمريكي الفاضح المتحامل على حقوقها في خياراتها السياسية التي يقف وراءها الشعب الإيراني بتضحياته وصبره وصموده الأسطوري ليضرب مثلا في الإصرار على بلوغ ما يأمله من سياسة إسلامية رافضة لبيع القيم والمبادئ بدنيا زائلة، ما تزال في عين اعدائها هدفا يبتغي أعداء ايران نواله على حساب الشعوب المستضعفة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat