اقناع إيران بالنزول عند شروط الغرب ضرب من المستحيل
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

مرت 46 عاما حصارا مضروبا من أمريكا على إيران الإسلامية، تضييقا على اقتصادها وتجارتها، مستعملة في ذلك جميع أساليبها الشيطانية، في حضر كامل لجميع معاملاتها التجارية صادرات وواردات، وكانت مصانعها وشركاتها وشخصياتها وبنوكها، تحت طائلة قرارات تعسفية جائرة لم تكن مسبوقة من قبل، بكل ذلك الإصرار والتّمادي فيه تشديدا وتضييقا، والعالم بأسره يرى بعيون عاجزة ما يجري، دون أن تجرؤ دوله على فعل شيء، من شأنه أن يكسر قانون غاب ظالم، يلوّح به الشيطان الأكبر الأمريكي تهديدا لإيران- ولكل من يسعى إلى كسر قيود العقوبات المفروضة عليها- في محاولة يائسة لإخضاع إيران، وجرّها بقوّة تلك العقوبات، إلى الموافقة على شروط أصرّت على عدم قبولها، منذ أن قامت ثورتها، وخلّصتها من التبعية الأمريكية، وهي متعلقة أساسا بدعم مقاومة إسرائيل، والعمل على زوال كيانها من المنطقة.
ايران الإسلامية التي قاومت كل تلك الإجراءات الظالمة، وصمدت بأنفة وإباء تامّين، في وجه عنجهية قوى معادية، كان هدفها ليّ ذراع النظام الإسلامي، واجباره على النزول عند رغبتهم في تقليم اظافرها الصاروخية، وتسليم كامل ما خصّبته من أورانيوم إلى جهات خارجية، على الرغم من إدراكهم من خلوّه من أي منحى أو برنامج عسكري، ما يزعجهم فيه، أنّه مثّل سبقا لم تحققه دولة من قبل، بهذه السرعة والكفاءة والتكامل، كان بالنسبة إليهم إنجازا كبيرا، رفع ايران إلى مصاف منافس لأمريكا ودول الغرب، في مقابل نزولهم من علياء تسلطهم، بما ينتهي بهم إلى مزبلة التاريخ مع من تولّاهم من أنجاس العملاء في المنطقة.
قدرات الشعوب الإيراني وصدقية نظامه في قيادة البلاد إلى مواقع متقدّمة علميا، في عالم تتنافس دوله في مجالاته المتعددة، تسعى أمريكا ودول الغرب إلى احتكارها دون جدوى، أفرز نتائج مفاجئة لم يكن احد في عالمنا ينتظر تحقّق معشارها، فكيف بها وهي ترى إيران منذ سنوات قد اخترقت خطوطا حمراء كعلوم الذرة والفضاء، بحيث أصبح لها مشاريعها الناجحة فيهما، وهي علوم كانت حكرا على الدول الغربية فقط، وأنّ التكنولوجيا النووية أصبحت بين أيدي علماء إيران من الشباب المؤمن بقدراته وتفوقها، هؤلاء العاملين في هذه المجالات الدقيقة الحساسة، أصبحوا يُعدّون بآلاف المختصين في مجالات الذرّة وصناعة أجهزتها، والفضاء وبرامجه الصاروخية الحاملة للأقمار الصناعية، وتجارب كبسولاته المأهولة، والمسيرات وأدوارها المختلفة في الدفاع وإنجاز المهام الصعبة، وأجهزة أخرى لا تزال غير معروفة، وتسبب صداعا لقادة الغرب كلّما تساءلوا عن كُنْهِها.
من هنا نفهم أنّ خلاف أمريكا والغرب مع إيران متعلق بسرعة تطورها في هذه المجالات، ويبدو ان تحركهم جاء من أجل حفاظهم على مواقعهم في قيادة العالم اوّلا، والإبقاء على مشروعهم الصهيوني إسرائيل، الذي أمّلوا عبره السيطرة على منابع النفط والغاز، في أكبر منطقة تحتوي نصف احتياطي العالم من الطاقة، وقرار أمريكا تقييد إيران لم يسفر عن نتيجة تذكر، باستثناء بعض التعطيلات التي لم توقف أي تقدم لها في أي مجال حيوي، بل لقد زاد من حماسة انصار الولاية الحقانية، لبذل مزيد من التضحيات، وقد اثبتت حرب الأيام الإثني عشر، المشهود لها تاريخا حديثا، أنّ ايران حكومة وشعبا عصيّة على الكسر، والويل لمن يحاول ايذاءها في مجال تقدّمها العلمي.
حكمة قائد النظام الإسلامي الخامنئي، تجلّت فيما أفصح عنه بخصوص المفاوضات، حيث لم يكن متحمسا لها منذ البداية، وقد عبّر عن موقفه الثابت منها بأنها عبثية لن توصل إلى نتيجة، لمعرفته بنوايا أمريكا والغرب، فهي بالنسبة إليه مفاوضات عقيمة، وانكشف ما كان أعداء إيران يريدون الوصول إليه عبرها، ومع ذلك مازال قادة الغرب يأملون في تحقيق شيء، من شأنه أن يوقف تقدّم إيران، وفيما كان الرئيس الأمريكي ترامب يتحدث بلغة القطب المستقوي على العالم، جاءه التهديد من ايران وهو موقف لم يحصل من قبل من أيّ دولة - ومن بوسعه أن يهدد أمريكا غير إيران؟ - كان الرئيس الفرنسي ماكرون، قد كتب على حسابه على منصة إكس، عقب لقائه مع نظيرة الإيراني بزشكيان: التوصل إلى اتفاق لا يزال ممكنا، لم يتبق سوى ساعات قلائل، الالتزام بالشروط المشروعة التي وضعناها أمر متروك لإيران(1).
لغة التهديد عادة ما يطلقها قادة الدول الغربية، من باب استقوائهم على الدول المصنفة عالما ثالثا، وتحديدا على أساس أنهم يمتلكون القوة العسكرية الضاربة، والأسلحة النووية وترسانتها التي بإمكانها أن تدمر الأرض مرّات دفعة واحدة، وهي لغة لا تنطلي على إيران اليوم، وتستفزّ الدول الحرّة التي ترفض اطلاقها تهديدا لأيّ كان، وترى كأنّها موجهة إليها، معبّرة عن مدى وقاحة حكام حمقى، لم يخجلوا من تاريخهم المليء بجرائم أسلافهم، فما الذي يخجلهم اليوم بعدما انكشفت حقائقهم؟
وفيما تستمر إيران في تحقيق مطالبها المشروعة في التقدم والرقي التقني، تواصل أمريكا وحلفها الخبيث مساعيهم المحمومة من أجل ثنيها عن مشاريعها المستقبلية، خوفا من أن تزلّ أقدامهم عن مواقعهم في قيادة العالم، هذا وقد بدأ الانزلاق منذ وقف إطلاق النار الذي طالبت به أمريكا على لسان لقيطتها إسرائيل، لاسترداد الأنفاس المعدودة الباقية من وجود هاذين النظامين المجرمين، محاولة الترويكا الأوروبية الخيرة في اقناع ايران يائسة ولن تغير شيئا، وبقي فقط بالنسبة لهذا الغرب المجرم الكشف عن وجهه القبيح، ولا اعتقد أنه سيتأخر، طالما أن ايران تتموقع في محور مقاوم اثبت جدواه، قال لا وجود لكيان إسرائيل على أرض فلسطين، فضلا عن مشروعه إسرائيل الكبرى في المنطقة مستقبلا .
1 – ماكرون: الاتفاق مع إيران ممكن لكن لم يتبق سوى ساعات
https://www.swissinfo.ch/ara/90061957
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat