صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

عندما يكون نداء تميم أعلى قيمة من نداء غزّة
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

انعقدت يوم أمس القمة العربية الاسلامية، وسط أوضاع خطيرة تتعرض لها فلسطين، وصلت بشعبها إلى درجة الإبادة والتصفية، فما تعرض له قطاع غزة ولا يزال من عدوان غاشم، يشنه الكيان الصهيوني على المدنيين العزل، هي جرائم حرب ترتكبها قواته بكل وقاحة، على مرأى ومسمع من دول العالم، وسط صمت دولي مدان من قبل أحرار شعوب، رفضت أن تسكت على ما يجري من فظائع، وعبرت عن تعاطفها مع مظلومية الشعب الفلسطيني، وهي لا تزال بطلائعه الخيّرة تحاول كسر الحصار، وإنقاذ ما تبقى من أحياء في وضع لا يحسدون عليه.

هؤلاء الأحرار الذين انتفضوا وخرجت جموعهم إلى شوارع مدنها وعواصم بلدانها، منددة بجرائم الابادة التي ترتكبها يوميا القوات الصهيونية دون رادع يمنعها، ومطالبة المجتمع الدولي بالتدخل الفاعل والناجع، من أجل إيقاف أعمالها الوحشية، ووضع حد لها بإلزام المعتدي الصهيوني بوقف العدوان، وعودة قواته الى خط التماس الذي انطلقت منه قواته العسكرية، وهي لعمري تعابير مشرفة لكل شعب أسهم في مثل هذه المبادرات، وجديرة بالإكبار والتنويه وإن لم تحقق شيئا من غايتها، لكنها حركة إنسانية للتنديد بما يجري من إبادة في غزة.

وسط هذه الأحداث والمستجدات الخطيرة، تنعقد قمة عربية اسلامية أخرى، وأمل شعوب قادتها أن تكون مغايرة لما سبقها من القمم، ذات جدوى من شأنها أن تكون مخرجاتها وقراراتها حاسمة وعملية، قادرة على وضع حد لاستهتار الكيان الصهيوني بحقوق شعوبنا، وقد امتدت ايادي اجرامه إلى ما وراء فلسطين حيث أصبحت شعوب المنطقة مهددة في أرضها وأمنها، ومع ذلك فإنّ من بين هذه الشعوب من اعتبر سلاح المقاومة عائقا يحول دون سلام المنطقة واستقرارها، متجاهلا طبع الكيان الصهيوني العدواني المجرم، فمتى سجل تاريخ نشأته عزما على السلم والتعايش مع شعوبها حتى نأنس منه هذه النيّة؟

ويبدو أن هذا الأمل الذي عقده البعض دون البعض الآخر المحبط من القمم العربية الاسلامية وتاريخها السلبي، ضعيف إلى حد اليأس من أن يأتي بشيء ذي جدوى، ينسينا عقم القمم السابقة وتعيد ثقتنا المفقودة بها، ذلك أن عدد الدول المطبعة مع إسرائيل تزايد وأصبح أكبر من ذي قبل، فضلا عن عدد آخر من الدول، محكوم بتبعية نسبية أو مطلقة لأمريكا وحلفها الغربي، وهما الداعمين الوحيدين لإسرائيل قاعدتهم المتقدمة، وحاملة آمالهم في السيطرة على منابع النفط والغاز بالمنطقة.

ما يجب قوله بالمناسبة، هو أن الشعوب المعنية بالقضية الفلسطينية، وفي مقدمتها طلائعها الواعية قد أسقطت من ايديها قيام حكوماتهم بعمل يفيد في الدفع بالقضية العادلة نحو حل منصف، يعيد حق الشعب الفلسطيني في أرضه، من شأنه أن يسترجع كرامته المهدورة بخذلان من خذله من هؤلاء الحكام المجتمعين في قمّة شكلية، لن ترقى إلى مستوى الورق وحبر البيان الختامي الذي كتب بها.

لم يتأخر الردّ الصهيوني على هذه القمّة العربية الاسلامية، فقد شنّت قواته أعنف الغارات على ما تبقى من قطاع غزة، في تعبير واضح كشف مدى استهتاره واستخفافه بقمّة تعوّد على سماع معزوفاتها المتكررة، شجب وتنديد قوي وشديد، ولا شيء وراء ذلك من فعل، من شأنه أن يُلْزِم العدوّ بمراجعة مواقفه، وإعادة النظر في حساباته.

العجب من هؤلاء الذين أصبحوا على يقين من حقيقة إسرائيل ومخططاتها التوسعية العدوانية، كيف أنّهم مازالوا يعتقدون في إمكانية تعايشها مع الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، وهي التي لا تزال تعربد على أراضي دولها كما يحلو لها، ولا رادّ لهجماتها في سوريا ولبنان أمام جيشين ضعيفين، لا يمتلكان شيئا مما في أيدي جيشها المدجج بمختلف أنواع الأسلحة الفتاكة، ومع ذلك فهي تريد نزع سلاح المقاومة في لبنان من أجل ضمّه إلى أراضي احتلالها، أو في أحسن الحالات تركه ضعيفا لا يقوى على صد توغلات جيشها المتكررة.

حلّ الدولتين في حقيقته ليس مشروعا حقيقيا كما يعتقده المغفلون، وانما كان مقترحا تطمينيا مبيّضا نوايا إسرائيل التوسّعية، وقد تبيّن بالدليل القاطع اليوم، أنّه وهمٌ صهيوني رُكّب في عقول من أنِس واطمأنّ من الجانب المعادي للأمّة أن يأتي بخير، وإعادة طرحه من جديد كمبادرة سعودية في هذه القمة، هو ضحك على الذقون واستخفاف بعقول الشعوب الإسلامية المؤمّلة في حلّ واحد لا ثاني له متمثّلا في تحرير فلسطين بالقوة العسكرية القاهرة، فلا مفاوضات ولا اتفاق مع عدوّ كشف بالأدلّة القاطعة على أنّه لا ميثاق له ولا أمن لوعوده ولا خير فيه يرتجى أبدا.

وفيما تتراوح خطوات الشعوب في واد، وقادتها في واد آخر، الا ما رحم ربك من بعض قادة صادقين، مازالوا متشبثين بالقضية الفلسطينية، باذلين قصارى جهودهم من أجل كسب قصب حقوقها العادلة، يمرّ الشعب الفلسطيني بأحلك فترات احتلال أرضه، وغصب أبسط حقوقه في العيش الكريم، وفيما تضيق عليه أفاق الحياة الكريمة، يتوسّع وهم التعايش السلمي بين إسرائيل والدول العربية المطبعة على حسابه، وما أخزى هؤلاء الذين جاؤوا مهرولين ملبّين مواسين ومساندين - واقعا - أموال دولة قطر المطبعة، دون أن يكون لهم موقف حقيقي مما يجري في غزة العزة، متأسّفين من صفرِ أيدي الغزاويين من عطايا آل تميم، ولو كان في أيديهم شيء لفعلوا، من هنا كان الأسف في حدّه الأدنى خشية غضب الأصدقاء وأيّ أصدقاء يا قادة التطبيع والعمالة؟

بيان القمة الصادر أمس تكرار لما قيل سابقا مع بعض التشديدات التي سيضحك منها ترامب وناتنياهو ملأ شدقيهما، مطمئنين بأن هؤلاء القادة مازالوا يركبون أحمرة لن تخرجهم من وادي العمالة والتطبيع الى شيء من مواقف العزة والإباء، ليبقى الأمل معلقا في محور المقاومة الذي لا يزال مساكا بأسلحته وغرف عملياته المشتركة ايدي عناصره على الزناد رهن إشارة القائد الفذ، في انتظار ساعة الصفر لمعركة مصيرية حاسمة، تعيد فلسطين إلى حاضرة عالمنا الإسلامي.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/09/16



كتابة تعليق لموضوع : عندما يكون نداء تميم أعلى قيمة من نداء غزّة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net