اولا:
معظم نصوص المجموعة إن لم أقل جميعها نفسية، وهذا يستلزم بل يوجب أن يوظف علم النفس وقليل من علم الإجتماع في بناء شخصيات هذه النصوص وجميعها مأزومة نفسياً، وآية ذلك أن المعالجة السردية لهذا النوع من الشخصيات يجب أن تتناسب مع سايكولوجيتها ولا تنحاز إلى مسارات سردية تقليدية .
شخصيات النصوص عموماً تعاني من انحرافات جنسية وحرمان عاطفي وبعضها عصابية وتمارس بكثرة وسائل خداع الذات مثل الكبت وأحلام اليقظة والعدوان والنكوص....الخ، وهنا يجب على القاص دراسة الصفات أو السمات التي تنماز بها هذه الشخصيات المضطربة نفسياً على وفق ما رصدته البحوث والدراسات النفسية.
وقد أجتهد القاص بقدر مناسب ونجح في بناء شخصيات نصوصه القصصية ومأسسة مناخ وأجواء نفسية ملائمة لها.
ثانياً:
ماذا ينفع الميت ما يقوله الملقن وهل يسمع ذلك !؟
يا سوادي بن جواد بن صبرية إن كنت تسمعني فإنك قدانتقلت إلى عالم آخر سيأتيك في القبر ملكان فقل كذا وكذا .....
لا يمكن للسارد أن يمارس ذات الدور الذي يقوم به الملقن بعد أن تموت شخصية ما في النص سواء كان الموت مادياً أو اعتبارياً،ثم ليس من المناسب أن يفكر السارد بالنيابة عن الشخصية ويتحدث بلسانها بما لا يناسب طبيعة هذه الشخصية وبنيتها الثقافية والإجتماعية والنفسية، دور السارد حتى ولو كان عنصراً مهماً وجزء حيوياً من المشهد القصصي برمته،أن يحدد للقارىء الإطار العام للنص وكيف تشكل ويرسم لنا مساراً للخط السردي العام وتفرعاته الثانوية بضوء معطيات واقعية تتناسب مع العوامل والظروف الزمانيةوالمكانية وبضوء حركة الشخصيات وأسلوب تفكيرها المعبرعن ثقافتها وعمرها وحالها الإجتماعي والمادي وما إلى ذلك من متغيرات ذات صلة بالشخصية.
تمكن القاص من إدراك ذلك ولم ينساق إلى متبنياته الفكرية والعقائدية ويقحمها في نصوص مجموعة هذه.
ثالثاً: ثمة اشتغالات مهمة للقاص وجدت من الضرورة بيانها ومدى اتقانه أو اخفاقه فيها تتعلق بالنافذة واللوحة ومدى أهميتها في نصوص المجموعة .
ا - النافذة :
النافذة كما هو معلوم في النص القصصي غالباً ما تكون ملاذاً يؤمن لشخصية ما نوعاً من الخلاص أو الأسترخاء أو الهروب مما هو في الداخل وراء النافذة وهي أي النافذة او الشباك فاصل وستار ما أن تفتحه أو تزيحه الشخصية في القصة حتى تطل على عالم آخر حقيقي أو متخيل مختلف تماماً عن عالم الداخل الذي ربما يكون مأساوياً و مناقضا تماماً له.
حين تطل الشخصية عبر النافذة برأسها على عالم خارج النافذة وسافترض هنا أنه عالم ضاج بالحياة والحركة (( اطفال يلعبون كرة قدم،منتزه واسع،حبيبة تنظر إلى النافذة،صبايا مدرسة ثانوية يتضاحكن أو يتحلقن حول عربة لبائع جوال،سماء صافية مرصعة بالنجوم يتوسطها القمر،زخات مطر تبلل المارة، فتاة تخفق في فتح المطرية،أم عدنان في سطح منزلها تنشر الغسيل، ستارة نافذة غرفة نوم مفتوحة لجارة لعوب شبه عارية مستلقية على السرير، سيارات دفع رباعي سوداء مظللة تجوب الشوارع تبحث عن شخص ما ... مئات من الصور التي يخبرنا عنها السارد وهنا لابد وحتماً أن يبرر لنا كل ما تقدم ويجيب عن السؤال :
ما جدوى الاشتغال السردي على عالم خارج النافذة وما علاقته بعالم الداخل؟
الطبيعي والمقبول في السرد تحديداً حول موضوع النافذة أمران :
الأول إشارة بسيطة عابرة لفعل فتح النافذة مثل (( فتحت امينة النافذة لتهوية الغرفة)) أو ((فتح شاكر نافذة غرفته ليدخن سجارة)) هذه الإشارة لا يترتب عليها ولا توجه السرد باتجاه ما ،لكن حين يقول السارد (( تصعد أمينة كلما غاب زوجها إلى غرفة متروكة في الطابق العلوي ،تفتح النافذة، تتلصص على جارها سليم وهو يمارس هوايته الشاذة، مداعبة مهرة صغيرة في الفناء الخلفي لبيته )) أو (( أحكم شاكر اغلاق نافذة غرفة في الطابق العلوي، لكنه أحدث فيها ثقبا مموها ينظر من خلاله إلى جارته اللعوب وهي تتمدد شبه عارية في سريرها وتتعمد ترك ستارة النافذة مفتوحة )) يترتب على ذلك اشتغال سردي كبير .
فهل اتقن الأمدش ذلك ؟
أقول نعم تماماً ويتبين ذلك في نصوص ((اسنة كالمياه ص ٧ ،٢١ الناقوس ص٢٤ ظلان في قبر واحد ص٥١، ٥٢ فقاعة ص٧٣ ))
٢- اللوحة:
اللوحة المعلقة على الحائط، غالباً ما يشتغل عليها القاص أو الروائي وتكون حاضرة بقوة،نراها معلقة في غرفة الضيوف أو غرفة النوم أو على الحائط قرب السلم وحتى في المطبخ أحياناً وربما في الحمام، وهنا لابد أن يكون لهذا الحضور ضرورات سردية مهمة ومشاركة فاعلة في الأحداث،وهنا أيضاً لا بد من توضيح الفرق مابين أن تكون إشارة القاص أو السارد إلى لوحة عابرة وبين أن تكون اللوحة فاعلة مؤثرة وهنا مكمن الخطأ والضعف في النص القصصي، أما كيف فدعوني أوضح ذلك من خلال مقطعين افتراضين ؛
الأول (( ثمة لوحة لمنظر طبيعي في صالة الضيوف)) لاحظ هذا المقطع أو الجملةمجرد وصف لا يشتغل سردياً في النص،وللننظر إلى المقطع الثاني
(( أصرت أمي على تعليق اللوحة التي اقتنتها من المعرض الشخصي لزميلها الرسام في غرفة النوم ، متحدية بذلك رفض أبي ...))
نحن هناء إزاء مقطع متخم بالمعنى فكيف يمكن للقاص أن يتركه هكذا سائباً من دون أن يشتغل عليه حتى نهاية القصة ؟
هل اشتغل الأمدش على ذلك بحرفية ؟
أقول نعم تماماً ويظهر ذلك في نصوص (( اسن كالمياه ص٨ ،١٠ الناقوس ص٢٣ ،٢٤ ،٢٦).


التعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!