كتابات في الميزان
كتابات في الميزان

انزل عن منبر أبي


      صوت الحسين عليه السلام في جميع المواقف هو الأعلى  لأنه صوت الرفض ؛كل خطوة من خطواته كانت حجر الأساس لواقعة  الطف المباركة، لهذا كانوا يرون الطف فيه ،وهو يرى الخلافة حق أبيه وصي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وغدير خم كان هو الطف الأكبر. تجرأ خلفاء السقيفة فازاحوا أمير المؤمنين عليه السلام ، ولأن الطف كان يتنامى فيه منذ صباه، وقف أمام خليفة السقيفة ليضع حجر الأساس لطف كربلاء "انزل عن منبر أبي لا منبر أبيك " غضب الخليفة وقال: " من علمك هذا القول يا حسين؟"  وهو يعرف أن الحسين لا يحتاج إلى من يلقنه مفردات الحق في نهج قويم ،ويعرف أن الرفض طف يكبر به الصوت وعيًا لتؤسس هذه الجمل الصلابة والفخر  ،انزل عن منبر ابي، فالخلافة لا تشيدها السقائف، والحق حق أهل البيت عليهم السلام ، انزل صرخة حق كانت مقدمة لأحداث كربلاء، لصرخة " لا أعطيكم " كيف به وهو يرى يزيد السفاك والارهابي والفاسد وحكومته التي تدعي الإسلام وحفظ مصالح المسلمين،  يرفض البيعة ويواجه معركه تجرأ أصحابها على الله ورسوله.  والحسين عليه السلام  يرى أن رفض الباطل أهم من القوة والسلطة، وأمام الموت يرفع يد الدعاء "اللهم فاجعلنا من الشاكرين" لمن ارتقى منبر جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون مؤهلات الاستحقاق الإلهي .،يصرخ بوجهه صوت الحسين "انزل" ...فالمنبر له روحانية معنوية وإنسانية إذ فتح آفاقًا فكرية فاقت ماديات السلطة.
معجزة الإسلام من السماء إلى الأرض "قوسا النزول " ومعجزة الطف الحسيني انطلقت من الأرض إلى السماء ( قوس الصعود) وكلتا المعجزتين تبين لنا إن الحياه تكمن في الجهاد في سبيل الله. كربلاء هي أكبر ملحمة وقفت بوجه الطغاة: انزلوا... المنابر لا تصلح ان تكون عروشا انزلوا ..المنابر لا تقوم على الطيش ، والشجاعة قوة إيمان 
يقول شاهد من جند ابن سعد والله ما رأيت مكثورًا قط قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشًا ولا أمضى جنانا منه ،ولا أجرأ مقدمًا) ويقول أبي الحديد  أرفع وأسمى نموذج تاريخي للإنسان الشريف والشجاع هو الحسين سيد أهل الإباء الذي علم الناس الحمية  والموت تحت ظلال السيوف)
وعباس محمود العقاد يقول أكان الحسين في شجاعته أشجع أم في صبره أصبر أم في كرمه أكرم ،أم في إيمانه وغيرته على الحق أبلغ من تلك المناقب بأقصى مداها؟  فكان الحسين في شجاعته الروحية والدينية غاية الغايات.
الإسلام يحث المسلمين على مواجهة الحكومات الظالمة التي عرضت مصالح المسلمين للخطر ، خاصة تعد نفوذ الأمويين في جهاز الحكم الأسلامي.
عمر بن العاص يقول عن الحسين : (إنه أحب الناس إلى الناس) ومعاوية بن أبي سفيان يقول عن الحسين هو ( ليث عرين) وسار الحسين وكان أمل الأمة وهو حي ،وبعد مقتله كان دمه يقاتل مع التوابين. أصر أصحاب الحسين على التضحية في سبيل الله مع سيد الشهداء لنتأمل في قول مسلم بن عوسجة،( لو لم يكن معي سلاح لقذفتهم بالحجارة حتى أموت معك) ومثل هذه الجمل الباسلة قالها كثير من أصحاب الحسين وأقوالهم معروفة. بعد أن امتلكوا العذر الشرعي في الإنسحاب من المعركة والنجاة قبلوا بالموت ورفضوا الحياة دون الحسين. مواقف جليلة ، مسلم بن عوسجة، زهير بن القين، وبرير ،وعابس الشاكري، جنبة ملكوتية هم أصحاب الحسين.
لست من هواة استنساخ التاريخ بل تحليل الوقائع وتجديد النظر حسب توافقات العقل المعاصر، لكن بعض الأحداث هي التي تكررنا. التاريخ ما زال نديًّا ،هناك شخصية نادرة من شخصيات الطف ،واسمه( محمد بن بشير) أعطاه الحسين مبلغًا من المال ليذهب وينقذ ولده الذي وقع أسيرًا في إحدى جبهات القتال ، قال له أنت في حل من البيعة فاعمل في فكاك أبنك، أجابه:( مولاي،
اكلتني السباع حيًّا إن فارقتك) .
مواقف الحسين عليه السلام ، أزالت الضبابية عن عقول القوم ، فأدركوا موقفه الإنساني واستجابوا له، حتى أن بعضهم كان في صف جند ابن سعد، أدركوا الحقيقة ففضلوا الشهادة على المال والمناصب، أريد أن أصل من خلال التأمل في الواقعة وتفاصيلها ، إن واقعة  كربلاء هي امتحان صراع الحق والباطل، والواقعة ليس لها زمان ومكان محدد فهي في كل جيل تمحص الانسان لامتحان الطفوف، ولا تنحصر بالمجال السياسي او الاجتماعي، الحسيني يكون فاعلًا في جميع الامور الحياتية في مجال الأسرة والقبيلة، ويصل صلاحه أحيانًا إلى ذات الإنسان نفسه،  والى ضميره وهويته التي برزت في خضم الحوادث . هناك من غير مساره الذي يعبر عن الذات وطبيعة الإنسان ،الشهداء ساروا إلى الشهادة وفيهم روح فرح والانتصار على عروش الزيف، وغيرهم عاش التصدع الوجداني، كل يرمي الذنب على غيره ليبرئ ساحته من دم الحسين عليه السلام ، يزيد بن معاوية ألقاها برأس عبيد الله بن زياد وعبيد الله ألقى اللائمة على عمر بن سعد، وهو يلقيها عليهما، بينما شجاعة الحسين خضّرت في نفوس الشهداء شجرًا وصوتًا ينادي بوجه كل باغ انزل عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله ، لتتفاعل الأكوان كلها  مع هذا الصوت الذي صار فينا حياة جهاد وعز وكرامة ومصير.

 

الحسين_الثوار.jpg

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!