كتابات في الميزان
كتابات في الميزان

شرف الأمّة في تملّكها سلاحها

حقيقة وصلت اليها الصهيونية العالمية، تمثلت في أنّ عائقا وحيدا بقي حائلا بينها وبين تحقيق حلمها، في كيان قويّ محميّ من كل تهديد مستقبلي، يجب إزالته من طريق مشروع هيمنتها على المنطقة بأسرها، تمثل في قوى المقاومة، التي انطلقت عمليا منذ تأسيس أولى حركاتها، في بداية الثمانينات من القرن الماضي، بعدما انطلق العمل عليها بمبادرة من قائد الثورة الإسلامية الخميني،

الذي أعاد الأمل لطلائع الأمّة في انبلاج صبح وعي قادم، بدأت علاماته تلوح منذ ذلك الانتصار الكبير الذي حققه قوم سلمان المحمدي، الذين بشّر بقيامهم خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله.

لم تكن ايران تمتلك بعد انتصارها على نظام الشاه المدعوم أمريكيا وغربيا وصهيونيا، شيئا تقريبا من أعتدة بإمكانها أن تمنع عنها تنمّر هذا الغرب، المجتمع باطلا على إيذاء الأمّة، وفرض سياساتهم العقيمة عليها، فكل ما كانت تمتلك ايران لا يفي بالصمود في وجه أي عدوان عليها أسبوعا، وزاد عدوان صدّام على أراضيها واحتلال أجزاء منها الوضع تعقيدا خصوصا بعد أن امتنعت جميع الدول المصنعة للأسلحة تزويد ايران بما تحتاجه لصد العدوان، لعلّ الخير انفتح بابه من تلك الحاجة الملحة، فانبرى شباب الثورة الإسلامية لسدّ احتياجات بلادهم من الأسلحة بمختلف أنواعها، وعلى مدى عشرات السنين من التجارب والتطوير والابتكار، مستأنسين بقوّة الله وقدرته في اعانة هؤلاء الصادقين، فتوفّقوا في التقدّم بتلك الصناعات الى أشواط كبيرة، جعلت منهم رقما غير قابل للكسر في مجال التسليح، ومتفوّقا عمليّا على كثير من دول الغرب، وفي مقدمتهم أمريكا التي وقفت أنظمتها عاجزة عن صدّ الصواريخ البالستية الإيرانية الفرط صوتية، عن إصابة أهدافها في عمق الكيان الصهيوني.

هذا التطوّر النوعي في صناعة الأسلحة بأنواعها، البرية والبحرية والجوية، تحقق بفعل الالتزام الإسلامي، الذي حدا مؤسسات النظام في ايران، امتثالا لأمر الله في الاعداد لمواجهة أي عدوّ، يخطط للإعتداء على أراضينا وشعوبنا، (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ورباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) (1) خلقا لحالة توازن القوى بيننا، واحداث تفوّق من شأنه أن يحسم أي مواجهة عسكرية لفائدة الأمّة، فليس هناك طريق يوقف الأعداء عند حدودهم، غير ادخال الرهبة في قلوبهم بما يمتلكه المسلمون من قوّة يدركون ثقلها عليهم ومن شأنها أن تردعهم عن القيام بأيّ مغامرة تعود عليهم بالوبال.

لقد فهمت القوى الغربية الداعمة للصهيونية - بل هي جزء من منظومتها – أن مشروع الامام الخميني المُعْلن، بفتح المجال أمام الشباب الإسلامي الثائر الملتزم بدينه ليخوضوا غمار مقاومة كيان صهيوني، هيّأت له بريطانيا أسباب وضع يده على أرض فلسطين، ومكنته من التمدد فيها تدريجيا، فتأسست حركات إسلامية الفكر والعقيدة، تطوّرت بمرور الزمن، لتصبح في السنوات الأخيرة قوّة مؤثرة في مواجهة العدوّ الصهيوني، بعدما أسندها النظام الإسلامي في إيران بالأسلحة والأموال وكافة الإمكانيات اللوجستية، فإيران كنظام وحدها اليوم في هذا الدّعم.

هذا الخطر الذي استشعره أعداء فلسطين وايران، دفع بهم إلى العمل على نزع سلاح المقاومة، في غزة وجنوب لبنان والعراق واليمن، في مخطط عنوانه السلاح مقابل الأرض والسلام، ويسعون جاهدين من أجل إجبار إيران، حصر مدايات صواريخها إلى الحد الأدنى، من المسافة التي لا تصل إلى مواقع الكيان الحساسة، وإلى داعميه من دول الغرب، وهذا ما يأمل تحقيقه الرئيس الأمريكي ترامب، من خلال دعواته المتكررة إلى المفاوضات معها، لعله يستطيع بلوغ غايته مما خططه، وهيهات أن تقع إيران في فخه، وقائدها مؤتمن - وهو أهل لذلك -على سلامة سياستها واستقامة مسيرتها، ووضوح أهدافها التحررية وعلى رأسها قضية فلسطين.

  • يزال أمل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منعقدا في مفاوضة إيران مجددا، من أجل تحفيزها على قبول مقترحاته، والمتمثلة في تحديد نسبة تخصيب اليورانيوم بحيث لا تتجاوز حد 3.67 % كحد أقصى، وتقليص برنامجها الصاروخي، بحيث لا يشكل استمراره خطرا على إسرائيل ودول الغرب، مقابل رفع عقوباته الجائرة عليها، رغبات أمريكية صهيونية، ليست بمعزل عن نزع سلاح فصائل المقاومة، هدفها تأمين إسرائيل، واعطائها مجالا لهيمنة وتوسع أكبر في المنطقة، بحيث تنفتح أمامها قواتها المساحات، دون أن تعترضها مقاومة، من شأنها أن تعرقل تحركاتها العسكرية.

القوى الصهيو غربية مدركة تماما أن مشروع الخميني الذي دعا فيه إلى مقاومة المشروع الاستعماري الجديد، ممثلا في إسرائيل يشكل خطرا عليها، في بقائه فاعلا عسكريا، وعقبة كؤودا في وجه قاعدته المتقدّمة، فاتجهت نحو فرض شروط نزع أسلحتها في غزة ولبنان والعراق، كمقدمة للتصرّف فيها بعد ذلك، بتصفية قادتها وانهاء وجودها تماما، وهذا لا يخفى على ذوي الخبرة والبصائر، إنّ ضمانة فصائل المقاومة في ببقائها، ومواصلة مشروعها المقدس في مواجهة مشروع الغرب في قلب بلادنا الإسلامية، وعليه يجب يكون موضوع سلاح المقاومة خط أحمر فلا مجال لنزعه مهما كلف ذلك من تضحيات، لأنّ شرف الأمّة في تملكها سلاحها، فإذا فقدته سقط شرفها واستباحها أعداؤها كما يحلو لهم.

 

المصادر

1 – سورة الآية

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!