صفحة الكاتب : د . عبد علي سفيح الطائي

قصتان من وادي الرافدين " الطوفان والخلود"  صنعتا أساطير وأفكار وفلسفات الشرق والغرب.
د . عبد علي سفيح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

وادي الرافدين لم يكن مجرد مهد للحضارات الأولى، بل كان أيضا مهدا للرموز الكبرى التي أصبحت خيال الإنسانية وأسئلتها الكبرى. فمن بين آلاف الأساطير والحكايات التي تناسلت على مر العصور، برزت قصتان اساسيتين تشكلان العمود الفقري لمعظم الأساطير والأفكار  والفلسفات في الشرق والغرب ، وهما "الطوفان والخلود".
قصة الطوفان، أول ما ولدت في النصوص السومرية والبابلية لتبلغ ذروتها في ملحمة جلجامش حيث يظهر اوتنابشتيم الناجي من الغرق العظيم. ومن هناك ذكرت في  التوراة والقرآن الكريم في قصة نوح، وانتقلت الى الأساطير الاغريقية في حكاية ديوكاليون وبيرا، وحتى إلى الموروثات الاسكندنافية. في كل مرة تتكرر القصة بملامح جديدة، لكن رمزها يظل واحدا: التطهير واعادة البداية بعد كارثة كونية. إنها الحكاية التي تمنح الانسان فرصة ثانية وتعيد تعريف العلاقة بين البشر والألهة، وبين الانسان والطبيعة.
أما القصة الثانية فهي أعمق وأكثر التصاقا بالوجود البشري: الموت والخلود. ففي ملحمة جلجامش عندما يرى البطل صديقه  أنكيدو وهو يواجه الموت لأول مرة، تبدأ رحلة البحث المضني عن سر الخلود ، محاولة لفهم ما وراء الفناء الانساني. هذا السؤال لم يتوقف عند حدود وادي الرافدين، بل وجد صداه في الأساطير المصرية من خلال أوزريس وحلم البعث. وفي الفلسفة اليونانية مع أفلاطون الذي ربط الخلود بالروح، وفي الهندوسية والبوذية عبر مفهوم التناسخ والتحرر من دورة الحياة، وصولا إلى المسيحية حيث ارتبط الخلود بالقيامة والحياة الأبدية.
هكذا، تنوعت الأديان وتباينت الفلسفات، لكن الخيط المشترك ظل حاضرا: كيف تواجه الفناء؟ وكيف تبدأ من جديد؟ إنها أسئلة كبرى لم يتوقف الإنسان  عن إعادة طرحها، بصورة وبأساليب شتى، لكنها تعود دوما إلى اصلين ضاربين في أعماق وادي الرافدين.
بين الشرق والغرب، وحدة الرمز وتعدد التأويل.  ما يميز هاتين القصتين هو أنهما بنية تحتية للخيال البشري. كل اسطورة، كل دين، كل فلسفة، ليست سوى إعادة صياغة أو تأويل لمستويي الطوفان والخلود.  من هنا يبقى وادي الرافدين بأرضه واساطيره ليس فقط مهدا للزراعة والكتابة، بل أيضا مهدا لأعمق رموز الإنسانية وأكثرها رسوخا في الوعي الجمعي.
 


 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد علي سفيح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/09/13



كتابة تعليق لموضوع : قصتان من وادي الرافدين " الطوفان والخلود"  صنعتا أساطير وأفكار وفلسفات الشرق والغرب.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net