لغز الأمارات!! الخوف الذي يظنه الناس رفاهية.
ايليا امامي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ايليا امامي

يعتبر التحالف والحب والتعاون الإماراتي الصهيوأمريكي لغزاً لدى كثير من الناس.. حيث لم يسبق لدولة من الدول أن بلغت علاقتها مع العدو الصهيوني ضد أبناء جلدتها كما بلغت الإمارات بهذه الفجاجة والوضوح والوقاحة.. ولذا فإن العاقل يقف متأملاً هذا المنظر ولا يملك إلا سؤال.. لماذا؟
ورغم أني لم أزر الإمارات سابقاً.. ولكن المطالعة ومراجعة الأرقام ربما تعطي تصوراً عن الموضوع.. وأظن هناك نوعان من الخوف يحكمان الإمارات.. خوف تأسيسي .. وخوف استمراري.
1. الإمارات من الخوف التأسيسي إلى الأيقونة:
لم يكن اتحاد الإمارات السبع وليد رؤية استراتيجية لدى شيوخ القبائل الذين يتزعم كل منهم إمارة .. ونحن نعرف تعصب زعماء القبائل واستنكافهم من وجود شخص يقودهم .. فكيف تقبل شيوخ القبائل والإمارات الأخرى أن يقودهم الشيخ زايد آل نهيان؟
لم يكن ذلك بسبب الإيمان بحلم الدولة القوية والنظام الاتحادي الدستوري.. بل كان (الخوف) هو سبب الاتحاد.. لأن بريطانيا أعلنت سنة 1968 نيتها الانسحاب من الإمارات التسع (بما فيها قطر والبحرين) عام 1971 وأمهلت القبائل ثلاث سنوات لترتيب أمورها قبل الانسحاب.
فكان كل زعيم يخشى على ما تحت حكمه من الأراضي والقبائل إذا بقي منفرداً.. ويخاف أن يتم ابتلاعه من العمالقة المحيطين به (إيران / السعودية / عمان) لذا فقد كان التفاوض على الانضمام إلى كيان اتحادي أكبر وأقوى، وفق الشروط التي يريدها وتحفظ له حكمه.. خير له من البقاء منفرداً والدخول في المجهول.
والدليل على أن الخوف هو الذي كان يحركهم أن الجميع (طرد) البحرين بكل معنى الكلمة .. بسبب مشاكلها مع إيران.. ولم يكن أحد يرغب بالتورط مع إيران بسبب البحرين.
وعندما يرى الغربيون أن هناك بلداً نفطياً وغنياً يتشكل بسبب الخوف.. ويمكنه البقاء مسالماً مع الغرب بسبب هذا الخوف.. فلماذا لا يتخذونه قاعدة متقدمة ؟
أعتقد أن العودة 50 سنة إلى الوراء تكشف بوضوح.. أن الأمريكان والبريطانيين كما قرروا اتخاذ الكيان الصهيوني قاعدة أمنية في الشرق الأوسط.. فقد قرروا اتخاذ دولة الإمارات الجديدة قاعدة استثمارية وسياسية.. ولذا شهدنا التطور السريع وصعود السوق الأماراتي بالسرعة الهائلة التي شهدناها.
ومع مشكلة النسيان لا أتذكر اسم المستثمر الأمريكي الذي سمعته قبل 15 سنة يقول (الامارات ليست دولة بل مقر شركة عملاقة تضم مكاتب عمل وخدمات وبنى تحتية أسست لكي تدير العمل العالمي في الشرق الأوسط، كما فعلوا مع سنغافورة في الشرق الأقصى).
أعرف أن بعض العراقيين يقول (أنظروا كيف كانت الأمارات قبل 50 سنة تتمنى أن تصبح مثل بغداد، ثم أنظروا أين أصبحنا وأين الإمارات) وهذه المقارنة بالنسبة لي (نصف صحيحة).
فالنصف الصحيح منها هو نجاحهم في بناء دولتهم مادياً.. في مقابل فشلنا المؤسف والكارثي في بناء دولتنا.. تحت حكم البعث ثم حكم العبث.. رغم ثروتنا التي تفوق الإمارت
لكن النصف الخاطئ هو عن (ثمن التحول إلى أيقونة عالمية)..
لقد عانق الأماراتيون بالفعل التغيير الأمريكي وتقبلوه.. وسلموا أنفسهم - مهما كان ثمنها - من جهة بيع المبادئ الإسلامية والتخلي عن الشعارات العربية والخضوع لإرادة الفاعل الغربي..
أقول هذا ليس حسرة على شيء من دنيا الإمارات فاتنا في العراق (وما أكثر المتحسرين على دنيا الإمارات) ولكن أقول هذا لأصف حقيقة الحال.. لأنها رغم تقدمها وتطورها العظيم الذي لا ينكر.. فالثمن الذي قدمته الإمارات باهض جداً .. فقد تحولت إلى أمة مدجنة بالكامل على قبول المنكرات والتعري والفساد والتطبيع وتمييع الدين بشكل لا يمكن الحديث عنه في هذه السطور.. ونحن نشكر الله أن هذا البلاء لم يأكلنا تماماً في العراق.. وإن كانت حياتنا المعيشية أصعب.. ومعاناتنا أكبر.
خلاصة هذه النقطة أن السبب الأول لدى الإمارات لأن تبقى خاضعة للأمريكي والصهيوني هو (الخوف الوجودي) الذي حكمهم من البداية.. واستغله الغربيون أفضل استغلال في ظاهره.. وشر استغلال في باطنه.. والغرب سيبقى يحمي هذا النموذج ولن يسمح لأحد بتخريب أيقونته الشرق أوسطية ومقر استثماراته وأعماله ومقرات موظفيه.
ومن الواضح أن حماية النموذج لا تأتي بقبضة أمنية فقط.. بل بتحويله إلى قصة نجاح وتفوق وتطور .. في مقابل البلدان التي حاولت الحفاظ على كرامتها وسيادتها أمام العم سام .. وها هي اليوم مدمرة بفعل غضبته.. ويركز الإعلام الغربي على تصويرها كبؤرة فشل.
حالة الأمارات وسنغافورة بالمقارنة مع لبنان وسوريا.. هي رسائل للعالم.. بأن هذا مصير من يقول نعم لأمريكا.. وذاك مصير من يقول لا.
بصراحة فأنا متحمس جداً لزيارة الإمارات.. والاستمتاع برؤية التقدم الكبير والخدمات الفائقة التي فيها حيث يجتمع العالم كله.. لكن ليس للبقاء فيها.. والاضطرار لتربية أولادي على المناهج الدراسية التطبيعية.. التي تحذف من الدين ما يزعج الصهاينة.
سيبقى فرق كبير بين الإشادة بروعة بناءٍ ما وجمال هندسته ولعن المعاصي والمؤمرات التي تحدث فيه.
2. الإمارات من الرفاهية إلى الخوف الاستمراري:
بعيداً عن الخوف الوجودي الذي رافق التأسيس.. يبقى هناك خوف استمراري يهدد هذه الرفاهية التي تعيشها الإمارات.. وهو خوف من خطر كبير لا يعني إصابة الإمارات بضربة قاسية فحسب.. بل يعني اختفاء الدولة بأكملها خلال أيام !! ومع وجود هذا الخوف المستمر.. لا يتوقعن أحد مهما حصل .. مهما حصل .. مهما حصل.. أن يصطف شيوخ الإمارات مع الجانب العربي ضد الغرب وإسرائيل.
وبالنظر للإحصاءات في ثلاثة جوانب مهمة من الدولة ستنكشف لك طبيعة هذا الخوف الاستمراري:
أولاً. الإحصاء السكاني:
(( يبلغ عدد سكان الإمارات حوالي 11.4 مليون نسمة اعتباراً من منتصف عام 2025، ويمثل الوافدون غالبية السكان بنسبة تقارب 88.5%، أي ما يقارب 10.04 مليون نسمة، والسكان الأصليون ما يقارب مليون نسمة فقط، وتشكل الجالية الهندية أكبر مجموعة من الوافدين. وتتركز غالبية السكان في المناطق الحضرية، مع ارتفاع ملحوظ في أعداد الذكور مقارنة بالإناث، وذلك بسبب التركيز الكبير للعمالة الوافدة في سن العمل.
الهنود هم أكبر جالية وافدة، ويشكلون حوالي 38.45% من السكان، يليهم الباكستانيون بنسبة 16.72%، ثم البنغلاديشيون بنسبة 7.38% )).
ثانياً. تركيبة القوات المسلحة:
(( لا تعلن دولة الإمارات العربية المتحدة عن أرقام رسمية ودقيقة حول العدد الإجمالي للأجانب في قواتها المسلحة. ومع ذلك، فإن التحليلات والتقارير الدولية المتخصصة تقدم بعض التقديرات.
بناءً على أحدث التقارير المتاحة من مصادر مثل معهد الدراسات الأمنية الدولي (IISS) في تقرير "الموازنة العسكرية" (The Military Balance) للعام 2024، وبيانات من مركز الخليج للأبحاث (Gulf Research Center) إليك بعض التقديرات:
العدد الإجمالي (التقديري): لأفراد القوات المسلحة الإماراتية يقدر بحوالي 65,000 فرد (بحسب تقرير IISS 2024)، فإن العدد التقديري للأجانب يقع في نطاق حوالي 20,000 إلى 26,000 فرد، مما يعني أن نسبة غير المواطنين (التقديرية) في القوات المسلحة الإماراتية تتراوح بين 30% إلى 40% أجنبي)).
ثالثاً. التسليح:
(( رغم محاولات الإمارات الخجولة لتعزيز قدراتها الذاتية في الجانب التسليحي ولكنها تعتمد بالأساس على أمريكا وأوربا وإسرائيل في تسليحها وأنظمتها العسكرية:
* الولايات المتحدة: المُزوّد الأهم تاريخياً للتقنيات الجوية (مقاتلات/طائرات نقل/طائرات تدريب)، أنظمة دفاع جوي، ذخائر متقدمة، معدات إلكترونية ومراقبة، وبرامج تدريب وتبادل استخباراتي.
* فرنسا وبريطانيا وإيطاليا: مصادر لطائرات أو أنظمة بحرية ومعدات أرضية وأنظمة إلكترونية ومهمات صيانة وتحديث. عادة صفقات مع عقود صيانة طويلة وفُرَص تعويض صناعي (offset).
* دول آسيا المتقدمة (سفن، أنظمة بحرية، إلكترونيات)
* كوريا الجنوبية وجنوب شرق آسيا: بناء سفن حربية، أنظمة بحرية، معدات دعم لوجستي، أحيانا مركبات وعربات مدرعة.
* إسرائيل: بعد تطبيع العلاقات، ظهرت شراكات وتبّادل تقني خاصّ في مجالات: المراقبة، إلكترونيات الطيران، طائرات دون طيار، الحرب الإلكترونيّة والسبل السيبرية (عادة عبر شركات خاصة وشراكات صناعية أكثر من صفقات سلاح تقليدية علنية)).
الآن وقد عرفت أن الدولة ليست ملك أهلها.. وأنها بيد أمريكا والهند بالكامل.. فلا شك أنك تستطيع فهم الاستسلام الكامل من قبل الإمارات لأرادة أمريكا وإسرائيل، ولماذا من العبث الاعتراض على بناء المعابد الهندوسية في بلد غالبية سكانه من الهنود الهندوس!!
إنها الرغبة والرفاهية وحب الدنيا التي أذلت الشعوب.. وجعلتها تقبل بتحويل أرضها إلى شركة عالمية على حساب نسيجها الاجتماعي.. والأمارات التي تبدو لك الأن في أوج قوتها ورفاهيتها شامخة مثل برج خليفة.. هي في الحقيقة على شفير الهلاك في أي لحظة تقرر فيها أمريكا ذلك.. وسيكون نموذج سقوطها عجيباً وغير مألوف في العالم.. (عمال أجانب لا يحتاجون إلى مظاهرات ولا أي شيء.. فقط يستلمون الدولة عندما يقرر الماستر).
* الخلاصة: لا تلوموا حكّام الإمارات على شي فالأمر ليس بيدهم.. لأن الخوف هو الذي يحكمهم وليس القناعة والإيمان بما يفعلون.. والحاكم الذي ترونه جالساً في قصره الفخم يشعر بأنه محاصر أكثر من الحماسي الذي يتجول في أنفاق غزة.. والقوم استسلموا لما تريده أمريكا منذ 55 سنة ماضية.. كما كانوا مستسلمين قبلها لبريطانيا لـ 100 سنة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat