فضة النوبية (رضوان الله عليها) خادمة الزهراء(عليها السلام)
د . حميد حسون بجية
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . حميد حسون بجية

كانت فضة من أهالي النُّوبة، والمقصود بالنوبة إما البلاد الواسعة في السودان جنوب الصعيد، التي جاء منها بلال الحبشي (رضوان الله عليه) وإما بلد من بلدان الهند. ويقال أنها ابنة أحد الملوك في الهند.
فضة النوبية، خادمة سيدتنا فاطمة الزهراء(عليها السلام)، أهداها إليها رسول الله(صلى الله عليه واله) حينما احتاجت لخادمة تساعدها في أمور بيتها.
ورد اسم فضة كثيرا في الروايات التي تتحدث حول ولادة الحسن والحسين (عليهما السلام) وفي نزول آية الإطعام وشهادة السيدة فاطمة(عليها السلام). ومن فضائلها أنها كانت تتكلم بآيات القرآن، فكانت بلاغتها وحسن منطقها من أعجب الأمور. وقيل أنها كانت حاضرة في واقعة الطف.
كانت (رضي الله عنها) على درجة كبيرة من الإيمان والتقوى والزهد والورع. وكانت محبّتها لأهل البيت (عليهم السلام) معروفة للقاصي والداني. انعكست التربية الفاطمية على سلوك تلك المرأة التي كانت ملازمة لمعلمتها الزهراء حتى عندما اقترنت بزوجها أبي ثعلبة الحبشي.
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله:
كان لفاطمة جارية يقال لها فضة، فصارت من بعدها لعلي (عليه السلام)، فزوّجها من أبي ثعلبة الحبشي. فولدت له ابنا. وبعد وفاة أبي ثعلبة، تزوجها أبو مليك الغطفاني. ثم توفي ابنها من أبي ثعلبة.
كان لها حوار مع الخليفة الثاني. ومما قاله عنها بعد ذلك الحوار: (شعرة من آل أبي طالب أفقه مني).
كانت ممن يروي ما حدث للسيدة فاطمة (عليها السلام) بعد وفاة أبيها(صلى الله عليه واله). كما روت عن واقعة الطف. ومن أولئك الذين روت لهم عن حادثة الطف ورقة بن عبد الله الأزدي.
علّمها رسول الله(صلى الله عليه واله) دعاء تدعو به وهو: ( يا واحد ليس كمثله أحد، تُميت كلّ أحد وأنتَ على عرشك واحد لا تأخذه سنة ولا نوم).
وقد تبعت الزهراء(عليها السلام) في نذرها عندما مرض الحسنان(عليهما السلام) بقولها: (إن برأ سيّداي، صمت لله عزّ وجلّ شكراً). وبعد أن برأ الحسنان من مرضهما، استقرض الامام علي (عليه السلام) ثلاثة أصعٍ من شعير. وبعد أن اعد الطعام ووضع بَين أيديهم، أتاهم مسكين فوقف على الباب. فأعطوه الطعام كله. ثم جاء يتيم في اليوم التالي، ثم جاء أسير في اليوم الثالث(في القصة القرآنية المعروفة). فنزل قول الله تعالى: (يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً) (الآيتان 7-8 من سورة الدهر المباركة).
كانت تتكلم بالقرآن الكريم:
قال أحدهم: انقطعت في البادية عن القافلة فوجدت امرأة، فقلت لها: من أنت؟
فقالت: وقل سلام فسوف تعلمون.
فسلمت عليها، ثم قلت: ما تصنعين هاهنا؟
قالت: من يهدي الله فلا مضل له.
فقلت: أمن الجن أنت أم من الإنس؟
قالت: يا بني آدم خذوا زينتكم.
فقلت: من أين أقبلت؟
قالت: ينادون من مكان بعيد.
فقلت: أين تقصدين؟
قالت: ولله على الناس حج البيت.
فقلت: متى انقطعت؟
قالت: ولقد خلقنا السماوات والأرض في ستة أيام.
فقلت: أتشتهين طعاماً؟
فقالت: وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام.
فأطعمتها.
ثم قلت: هرولي ولا تعجلي.
قالت: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
فقلت: أردفك؟
فقالت: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا.
فنزلتُ وأركبتها، فقالت: سبحان الذي سخر لنا هذا.
فلما أدركنا القافلة قلت: ألك أحد فيها؟
قالت: يا داود إنا جعلنــاك خليفة فـــي الأرض.
وما محمد إلا رسول. يا يحيى خذ الكتاب. يا موسى إني أنا الله.
فصحت بهذه الأسماء، فإذا أنا بأربعة شباب متوجهين نحوها، فقلت: من هؤلاء منك؟
قالت: المال والبنون زينة الحياة الدنيا.
فلما أتوها قالت: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين.
فكافأوني بأشياء.
فقالت: والله يضاعف لمن يشاء.
فزادوا علي، فسألتهم عنها فقالوا: هذه أمنا فضة جارية الزهراء (عليها السلام) ما تكلمت منذ عشرين سنة إلا بالقرآن.
وفي رواية أخرى، قال عبد الله بن المبارك: خرجتُ حاجّاً إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيه محمدٍ(صلى الله عليه واله). فبينما أنا في الطريق فإذا أنا بعجوز عليها درع ٌ من صفوف، وخمارٌ من صوف. فقلت: السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته.
قالت: سلامٌ قولاً من ربّ ٍ رحيم.
فقلت لها: يرحمك الله، ما تصنعين في هذا المكان؟ قالت: ومن يُضلل اللهُ فلا هاديَ له.
فقلت لها: أين تريدين؟
قالت: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
فقلت لها: أنت منذ متى في هذا الموضع؟
قالت: ثلاث ليالٍ سويّاً.
فقلت: ما أرى معك طعامًا تأكلين؟
قالت: هو يطعمني ويسقين.
فقلت: فبأي شيء تتوضئين؟
قالت: فإن لم تجدوا ماءً فتيمموا صعيدًا طيباً.
فقلت لها: إن معي طعامًا، فهل لك في الأكل؟
قالت: ثم أتموا الصيام إلى الليل.
فقلت: ليس هذا شهر رمضان، فقالت: ومن تطوعَ خيرًا فإن اللهَ شاكرٌ عليم.
فقلت: لمَ لا تكلمينني مثلما أكلمك؟ قالت: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد.
فقلت: فمن أي الناس أنتِ؟ قالت: ولا تـَـقـْـفُ ما ليس لك به علم إن السمعَ والبصرَ والفؤادَ كل أولئك كان عنه مسؤولا.
ولما سألت عنها، قيل لي إنها فضة جارية الزهراء (عليها السلام (ما تكلمت منذ عشرين سنة إلا بالقرآن.
يقع مرقد السيدة فضة النوبية(رضوان الله عليها) في مقبرة باب الصغير في دمشق من بلاد الشام. فقد قيل أنها رجعت إلى الشام مع السيدة زينب(عليها السلام) عندما عادت إلى الشام وتوفيت هناك.
جمع وتقديم
د. حميد حسون المسعودي
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat