كَيْفَ نَقْرَأُ اَلدُّنْيَا؟
د . محمد خضير الانباري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . محمد خضير الانباري

اعتادَ بعضُ الأشخاصِ بعدَ الاتكالِ على الله، منذُ الصباحِ الباكر، أنْ يذهبوا إلى أعمالهمْ الخاصةِ أوْ العامة، ويغوصونَ في أعماقِ هذهِ الدنيا، بملذاتها ومساوئها، فهيَ ليستْ مجردا تأملُ في مشاهدها، بلْ هيَ فهمٌ عميقٌ لقوانينها، وتقلباتُ المزاجِ البشريِ والظروفِ المحيطةِ بهِ. يعدْ الناسُ جزءا منْ هذهِ الدنيا، وهمْ متغيرونَ مثلها، في يومٍ يحبون، وفي يومٍ آخر، قدْ يخيبونَ الظن، لذلك، فإنَ قراءةَ الدنيا، تطلبَ في حسنِ الظن، وعدمَ ربطِ راحةِ البالِ بأحد. تشبه الدنيا بالبحرَ الهائج؛ تهدأ أمواجه أحيانًا، ثم تعصف من جديد، وهذا يُعلِّم الإنسان، كيف يحافظ على توازنه وسط العاصفة، حتى لا ينجرف إلى أعماق البحر. أن فهم الحياة يبدأ بفهم الذات؛ فكثيرون يخسرون أنفسهم لأنهم يقيسونها بمقاييس الآخرين، أو يلهثون خلف أشياء لا تناسبهم، أويرتدون ما لا يليق بهم، فيبتعدون شيئًا فشيئًا عن حقيقتهم.
في هذه الدنيا، تمرّ بنا أمورٌ كثيرة لا تستحق أن نُهدر أعمارنا في القلق لأجلها، فهي فانية وزائلة، لا تدوم على حال. والحكيم هو من يُثبت قلبه عند الشدائد، ولا تزلزله المواقف السلبية، ولا تُكسِره العواصف. بل يتعامل مع الحياة ببساطة، ويعلم أن العمر قصير، لا يستحق أن يُقضى بوجهٍ عابس وقلبٍ مثقل. فالنجاح لا يُقاس بغياب الألم، بل بالقدرة على التعلم من قسوته، والصعود من بين رماده بإيمانٍ وعزمٍ ويقين، أن ما عند الله خيرٌ وأبقى.
أن كل موقف يمر به الإنسان في هذه الحياة، يحمل في طياته درسًا معينًا، يتطلب إيمانًا عميقًا به، ويُتذكر دائماً، بأن هناك خالقًا واحدًا يُدبّر شؤون الكون، ليمنح القلوب الطمأنينة، فالتعامل مع الحياة دون إيمان يجعل فهمها ناقصًا، إذ ليست الدنيا كتابًا يُقرأ مرة ثم يُطوى، بل هي رحلة متواصلة من الفهم والنضج والتأمل، تتعمق كلما تقدم الإنسان في العمر. ومع مرور الزمن، ستُفتح صفحات جديدة من الحياة، بعضها يحمل الفرح، وبعضها يختبر بالألم. ولكن إن تعلّم الإنسان القراءة الصحيحة للدنيا وبوعي وبصيرة، فسيعيشها بقلب أقوى، وعقل أنقى، وروح أكثر توازنًا، كل شيء في الدنيا زائل... إلا العلاقة مع الله، فهي الثبات الحقيقي.
في نهايةِ المطاف، ولكي، نستطيعَ أنْ نقرأَ الدنيا، قراءةٌ واضحة، ونثبتُ موقعنا فيها، لا بدَ منْ أنْ نبدأَ بتدبرِ بعضِ آياتِ القرآنِ الكريم، ثمَ نتأملُ في تفاسيرها ومعانيها، التي تبينَ لنا هذهِ حقيقةُ الدنيا وماهيتها، ومنْ تلكَ الآياتِ الكريمة، في قولهِ تعالى: " أولئكَ الذينَ اشتروا الحياةَ الدنيا بالآخرةِ فلا يخففُ عنهمْ العذابُ ولا همْ ينصرونَ "، وقولهُ تعالى: " ومنهمْ منْ يقولُ ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقنا عذابَ النارِ " وقولهِ تعالى: " كلُ نفسٍ ذائقةُ الموت، وإنما توفونَ أجوركمْ يومَ القيامة، فمنْ زحزحَ عنْ النارِ وأدخلَ الجنة، فقدْ فازَ وما الحياةُ الدنيا إلا متاعُ الغرورِ ".
"إنّ هذه الدنيا ليست سوى ممرٍّ عابر، ومسرحٍ لفصولٍ مؤقتة، سرعان ما يُطوى ستارها، لننتقل إلى دار القرار، حيث الخلود والاستقرار. فلا ينبغي للمؤمن أن يُغْرَف في زُخرفها، أو يُفتَن ببريقها الزائل، بل الواجب أن يتزود منها بما استطاع من عملٍ صالح، وزادٍ من البرّ والتقوى، ليجده ذخراً له في يومٍ تُعرض فيه الأعمال، وتُوزن فيه القلوب."
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat