عرض كتاب
عنوان الكتاب: سيدة الإماء(عليها السلام): قراءة جديدة في هويتها وسيرتها
الكاتب: الشيخ أحمد سلمان
العتبة الحسينية المقدسة: قسم الشؤون الدينية: شعبة البحوث والدراسات
الطبعة الثانية 2025 ميلادية| 1446 هجرية
جاء هذا الكتاب، كما يقول المؤلف، محاولة لفك الغموض من خلال جمع ما نقلته كتب التاريخ والسير عن السيدة نرجس (عليها السلام) أم الامام الحجة(عجل الله فرجه) وما تبوَّأتْه من دور في المشروع المهدوي المبارك.
فمما لاشك فيه أن سِيَر أهل البيت(عليهم السلام) شابها كثير من التشويه من أقلام أعدائهم. ولا شك أن سِيَرَ أمهات أهل البيت(عليهن السلام) بدورها نالت كثيرا من ذلك التشويه.
ولقد أحاط غموض كبير بسيرة السيدة نرجس(عليها السلام) أم سيدنا ومولانا صاحب العصر والزمان(عجل الله فرجه). فكان ثمة اختلاف حتى في حقيقة اسمها الشريف.
ففيما يخص اسمها الشريف، هنالك اختلاف في أنَّ اسمها إما نرجس أو سوسن أو ريحانة أو صقيل أو مليكة أو خمط أو حكيمة أو مريم. وقد صوَّر بعض المخالفين ذلك الاختلاف على أنه تناقض في حياة الامام(عجل الله فرجه) نفسه.
وربما كان الدافع وراء اختلاف اسمائها(عليها السلام) التعمية المتعمدة من الامام العسكري(عليه السلام) في اطار حملة الحفاظ على الامام المهدي (عجل الله فرجه). فكما أُخفي اسمه ومولده وحُرِّمَ النطق باسمه الشريف في تلك المرحلة، أُخفي اسم السيدة والدته لئلا يكون ذلك وسيلة للضغط على الامام العسكري(عليه السلام).
على أن اسم نرجس هو الذي كان يناديها به أهل البيت اعتمادا على ما ورد عن عمة الامام العسكري(عليه السلام) السيدة حكيمة بنت الامام الجواد (عليهما السلام) عندما دعاها الامام العسكري لتجعل افطارها في بيته لاستقبال المولود المبارك(عجل الله فرجه). فقالت: (ممن يكون هذا المولود يا سيدي؟ فقال-عليه السلام: من نرجس).
قصتها(عليها السلام):
الرواية الأولى:
ورد عنها(عليها السلام) أنها كانت تقول بعدما ابتاعها بشر بن سليمان النخاس، وهو من نسل أبي أيوب الأنصاري، بتوجيه من الامام الهادي (عليه السلام): (أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم... وتُنسب أمي إلى وصيِّ المسيح شمعون). أراد جدها قيصر أن يزوجها من ابن أخيه، ولكنه لم يكن أهلا لذلك. فكان ذلك اليوم يومَ نحس خافه الأساقفة، ووجلَ منه قيصر نفسه. ثم أن قيصر حاول مرة أخرى تزويجها لابن أخيه الثاني. وحدث النحس نفسه. ثم أن السيدة(عليها السلام) رأت في المنام أن محمدا(صلى الله عليه واله) جاء خاطبا لها من السيد المسيح(عليه السلام). وتقول: (ومن ذلك اليوم، ضُرب على صدري بحب محمد وال محمد- صلوات الله عليهم). فامتنعتْ عن الطعام وضعفتْ ومرضتْ مرضا شديدا. وأحضر جدها أطباء الروم. ولكن حالتها ازدادت سوءا. وكان جدها يعرض عليها ما يُرفِّهُ به عنها. فطلبت منه أن يطلق ما لديه من أسارى المسلمين. ففعل ذلك.
وبدأت بتناول بعض الطعام. ورأت في المنام أن سيدة النساء الزهراء(عليها السلام) ومعها مريم بنت عمران(عليها السلام) تزورانها وأنها دخلت في دين الاسلام بادئة بتلاوة الشهادتين.
ثم قالت إن الامام العسكري(عليه السلام) أخبرها في المنام أن جدها سيبعث جنودا لقتال المسلمين. وأشار عليها أن تلحق بهم متنكرة بزي الخدم مع الوصائف. ودلَّها على الطريق الذي عليهاَ أن تسلكه. فحدث أن وقعتْ ضمن الأسارى لدى طلائع جيش المسلمين.
ثم أنها لما وصلت إلى بيت الامام الهادي (عليه السلام) بعد شرائها في سوق النخاسين، عهد بها إلى أخته حكيمة (عليها السلام) لتعلّمها الفرائض والسنن وتُعدّها لتكون أما للقائم(عجل الله فرجه).
الرواية الثانية: كونها نوبية وولادتها في البيت النبوي:
وهو ما رواه المسعودي في كتابه(اثبات الوصية). قال كانت هناك جارية للسيدة حكيمة بنت الامام الجواد(عليهما السلام) عمة الامام العسكري(عليه السلام)، وقد وُلدت في بيتها وربتها. وقد دخل الامام العسكري (عليه السلام) يوما إلى دار عمته، فرآها. ثم طلب منها أن تستأذن له من أبيه(عليه السلام) في أن يتزوجها.
ومما يعزز الرواية قُرب المؤرخ المسعودي زمنيا ومكانيا من الحادثة. فقد توفي المسعودي سنة 346، أي بعد أقل من مائة سنة من مولد صاحب الأمر(عجل الله فرجه) وأدرك الغيبة الصغرى وعاش ببغداد حيث عاش السفراء الأربعة(قدست أرواحهم الزكية).
ويعوِّلُ المؤلف كثيرا على الرواية الثانية لأسباب أخضعها للتمحيص والتحليل.
مقامها عند أهل البيت(عليهم السلام):
تحظى أمهات المعصومين (عليهم السلام) بمكانة خاصة عند الله تعالى لما لهن من أدوار في حمل أولئك الحجج على الخلق. فقد تحدث النبي (صلى الله عليه واله) عن القائم (عجل الله فرجه) فقال: هو (ابن خير الاماء ابن النوبية الطيبة الفم-أي خلوُّ فمها من كلمة اللغو والشرك-، المنتجبة الرحم- أي أن الله انتجب رحمها واختاره لمهمة عظيمة...).
وقال أمير المؤمنين(عليه السلام) واصفا الحجة(عجل الله فرجه): (بأبي ابن خير الاماء...). وكان اذا أقبل الحسين(عليه السلام) يقول له: (بأبي أنت وأمي يا أبا ابن خير الإماء...).
كما وردت أقوال بألفاظ قريبة من ذلك اللفظ عن الامام الحسن والامام الباقر والامام الصادق والامام الكاظم والامام الرضا(عليهم السلام جميعا) وعن السيدة حكيمة بنت الجواد(عليهما السلام).
وفاتُها(عليها السلام):
وهناك احتمالان بصدد وفاتها(عليها السلام).
- وفاتها في حياة الامام العسكري(عليه السلام): قيل أن الامام العسكري قد حدّثها بما سيجري على عياله من بعده. فسألته(عليها السلام) أن يدعوَ الله لها بأن تكون منيّتُها قبل وفاته. وقد يكون ادعاء موتها من ضمن اجراءات أهل البيت للتغطية عليها وحمايتها من الأعداء.
- بقاؤها بعد وفاة الامام العسكري(عليه السلام): وهو أمر مرجح لا مرية فيه. فقد امتدَّ بها العمر بعد وفاة الامام.
جهادها(عليها السلام):
كان أهم جانب من جوانب حياتها بعد استشهاد الامام العسكري(عليه السلام) حفظها للإمام الحجة(عجل الله فرجه) خلال الغيبة الصغرى. فقد استُشهد الامام العسكري في الثامن من ربيع الأول سنة 260 هجرية. ولم يحضر استشهاده عندئذ سوى الامام الحجة (عجل الله فرجه) والجارية صقيل(أي نرجس-عليها السلام) وعقيد الخادم. وكانت السيدة هي التي أتته بماء الوضوء والشراب قُبيل استشهاده.
خطة الانقلاب العباسية ومحنة السيدة (عليها السلام):
كان جعفر الكذاب بن علي الهادي(عليه السلام) على علاقة وطيدة بالبلاط العباسي. كان هدفه السيطرة على مقاليد الإمامة في ذلك الزمن. وبدأ العمل بذلك في حياة الامام العسكري. وقد نشأ تيارٌ موالٍ لجعفر كانوا يعتقدون أن الامام العسكري لا عقب له وبذلك فهو غير مؤهل للامامة. وكانوا يتربصون بلحظة وفاته. لكن ظهور الامام الحجة (عجل الله فرجه) للصلاة على أبيه أبطل كل حُجَجَهم.
أبلغ جعفر المعتمد العباسي عن الغلام وحرَّضه على التخلص منه. فجاءت الغارة الأولى على البيت فألقى القوم القبض على ام الامام وطالبوها بالصبي. أنكرت السيدة وجود الصبي وادّعت انها حامل. وكانت هذه أولى مهماتها لحفظ الامام. وقد أمضت ثلاث سنوات في السجن وقيل سبعا. ثم حدثت أمور غير متوقعة باغتت القوم أهمها موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة وخروج صاحب الزنج في البصرة وقيام ليث بن يعقوب الصفار. فانشغلوا عنها فخرجت من أيديهم.
ودخلت السيدة الطاهرة في مرحلة من التخفّي تجنبا للاعتقال. فلم تعُد لبيت الامام، بل جالت في الأرض هاربةً من العيون ومتنقلة بين بيوت كبار الشيعة الموثوقين. في حين تملَّك جعفر كل ميراث العائلة، ولم يُبقِ لهم مستقرا يلجأون إليه.
ثم أنها وبتدبير من السفير الثالث الحسين بن روح النوبختي(رضوان الله عليه) اعتُقلت في بيت الحسن بن علي النوبختي في أيام المعتضد العباسي بعد أكثر من عشرين سنة من استشهاد الامام العسكري(عليه السلام). ثم اعتُقلت مرة أخرى عن طريق وشاية. وحُملت إلى بيت المعتضد، ربما للضغط على الامام الحجة(عجل الله فرجه) ليسهلَ اعتقالُه، وبقيت هناك حتى وفاتها أيام المقتدر.
وختاما لابد لنا من التأكيد على أن المؤلف، الشيخ أحمد سلمان، بذل جهدا استثنائيا لتجلية قضية من أعقد القضايا في سِيَر سيدات البيت العلوي التي ارتبطت ارتباطا وثيقا بقضية الامام الحجة(عجل الله فرجه)التي كانت وما زالت بحد ذاتها عرضة للأخذ والرد على مدى التاريخ الاسلامي والعقيدة الاسلامية. فقد تمثل جهد المؤلف بكثرة المصادر وعمق التحليل والمقارنات التي لا تخلو من تعقيد شابَ ما كُتِبَ عن حياة تلك السيدة الطاهرة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat