قُبّة المستثمر الذهبيّة: دفاعٌ استثماريٌّ عن وطنٍ مُؤجَّر !!
زيد الحسن
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
زيد الحسن

في كلمة متلفزة، جلس ترامب كعادته يُحرّك يديه أكثر مما يُحرّك أفكاره، لكنه قال جملةً تستحق التوقّف:
سأطلب من الكونغرس تمويل نظام القبة الذهبية، وسيكون مصنوعًا بالكامل في الولايات المتحدة، من أجل حماية وطننا .
الوطن؟ نعم، تلك الكلمة التي أصبحت مثل "الشعير" في طبخة سياسية لا أحد يأكله، لكنه يُذكَر في قائمة المكوّنات ليبدو الطبق صحيًا.
تأملتُ الجملة، ووجدتُ فيها ما يُشبه الطفولة السياسية الصادقة: حماية الوطن، وصناعة وطنية خالصة. أي والله! حتى القبة عندهم "صُنعت في أمريكا"، بينما نحن عندنا حتى الهواء ( مُرخّص من المستثمر ) .
هنا، يا صديقي، لا قُبّة تحمينا، ولا سماء تُظلّنا إلا إذا وافق المستثمر! فكلّ متر في الوطن بات يُستأذن عليه وكأنك داخل مول تجاري لا بلد. البوابة تُدار من شركة أمنية، والكاميرات تُصنع في تايوان، والسجادة التي تصلي عليها الأم في بيتها تم استيرادها من الصين عبر وسيط تركي!
أمّا القادة، فهم مشغولون بتدشين مشاريع من نوع: "افتتاح أول نفق بين رغيف الخبز وذلّ الحاجة"، أو "مهرجان التراث المُباع في سوق دبي المالي".
نعم، نحن لا نملك "قبةً ذهبية"، بل نملك "قبّةً استثمارية" تُدار بعقلية التاجر، وتُفكّر بمنطق: ما هو العائد على كل نفس نتنفسه؟
ترامب يتحدّث عن حماية وطنه، بينما سياسيو بلادي يتحدثون عن حماية عقودهم، ومناقصاتهم، وحصصهم في فندق خمس نجوم يُطل على شعبٍ بلا سقف.
في العراق، لا أحد يسأل: "هل صنعنا شيئًا من أجل الوطن؟"
لأن الجواب مخزٍ جدًا، وأحيانًا الصمت أرحم من الفضائح.
وإن كنتَ تظنّ أنني أبالغ أو أفتري على أصحاب المعالي والسعادة والعقود والامتيازات، فدعني أذكّرك – بكل أسى وفخر – باعترافات رؤساء برلماننا الموقر، نعم البرلمان، ذاك المكان الذي يُفترض أن تُصاغ فيه القوانين وتُصان فيه الأوطان، فإذا به يتحوّل إلى كرفان للهدم المُنظَّم!
أحدهم قال بملء فمه وارتياح ضميره، قالها على الملأ:
( نحن مقاولو تهديم ) ،
جملة تستحق أن تُخلَّد على جدران البرلمان بدل عبارة "بيت الشعب". ربما الأفضل أن نكتب: "مكتب مقاولات العراق – فرع التهديم المركزي".
ولأنّ التهديم شغفٌ لا يُمارسه فردٌ واحد، جاء الذي بعده، متحمّسًا، ليُكمل السيمفونية وقال بلا خجل:
( نحن جئنا من أجل هدم العراق )
وكأنه يتحدث عن مشروع عمراني جديد، أو حملة تنظيف للمستقبل من كل أمل!
يا للروعة! لو قالها مستعمر أجنبي لثارت الشعوب، أما وقد قالها ممثلون عنّا، صوّتنا لهم بحرارة و"حبّة سمسم"، فالموضوع فيه شيء من الغرابة... أو الغباء الجماعي.
والسؤال الذي ينهش الروح: إذا كان هذا هو البرلمان، فمَن الذي يُمثّل الوطن؟
وإذا كانت القبة في أميركا تُبنى لحمايتهم، فنحن نحتاج إلى قبو نختبئ فيه من اعترافاتهم!
وهكذا يا صديقي ،
بينما تبني الأمم قبابًا تحمي بها شعوبها من الصواريخ،
نحن ننتج تصريحات تهدّ ما تبقّى من الروح ،
في دول العالم: الرؤساء يَعِدون بالبناء،
وفي وطننا: الرؤساء يعترفون بالهدم ، كلٌّ يغني على قبّته... ونحن نرقص على خرابتنا!
في النهاية، يبدو أننا لا نحتاج قُبّة ذهبية،
بل خوذة حديدية نضعها على عقولنا... كي لا نُجنّ مما نسمع!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat