بيت الزكاة الأبيض... خزينة العرب في حضن واشنطن !؟
زيد الحسن
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
زيد الحسن

في بلاد العرب، لا يُقام الحدّ على سارق المليارات، ولا يُستتاب الحاكم إن خان القضية، لكن يُقام حفل استقبال فخم لمندوب صندوق النقد الدولي، ويُستتاب المعارض حتى يعتذر على الهواء ويطلب الغفران من "أسياده".
وأنا أتصفح منصات التواصل، وقعت عيني على فيديو، ظاهره النكتة وباطنه الحسرة. رجل مسنّ، تقوّست قامته من التاريخ، لا من الشيخوخة، يقف أمام البيت الأبيض كأنه أمام بيت الزكاة. يشير إليه بسبابته، لا ليهدد، بل ليفضح. قالها بنبرة تُدمي القلوب وتُضحك القتلى في قبورهم:
"هذا بيت الزكاة للمسلمين والعرب، والخليفة ترامب يأخذ الزكاة والجزية، ومن يمتنع... يُزال من الكرسي فوراً."
نعم يا سادة، لم يعد البيت الأبيض مقرًا لقرارات أمريكا، بل تحوّل إلى "ديوان الزكاة"، يستقبل أموال الفدية من "ولاة" العرب، ثم يوزعها على شركات السلاح، ومراكز الأبحاث، وحملات الانتخابات التي تَعِد كل أربع سنوات بإعادة ترتيب الشرق الأوسط... كما يُعاد ترتيب أثاث غرفة الضيوف في بيت المحافظ.
في ذلك المشهد، تجلّى التناقض الفاضح: الرجل يبتسم بمرارة، كأن ضحكته وثيقة اعتراف، تقول "نحن شهود زور على زمن بلا عدالة". أما البيت الأبيض، فبدا كمصرف شرعي، يستقبل الودائع من الملوك والأمراء، لا عبر الحوالات البنكية، بل عبر السياسات، والنفط، والدم.
يا سادة، في زماننا، ليس من الغريب أن يُعلن ترامب نفسه خليفةً على العرب، فالبعض أقنعنا أن الطاعة واجبة، وأن البيعة تمت في قمة اقتصادية. ليس من المستهجن أن يُزال من يخالف الجزية، فحتى العصور الوسطى كانت أكثر احترامًا لكرامة المرسل إليه الخراج!
ولو كان الفيديو مشهدًا خياليًا في فيلم ساخر، لقلنا: "أوفِر، ما هكذا تُكتب الرمزية!"
لكنها الحقيقة، والرمزية تسير مكشوفة الرأس في شوارعنا، تنظر إلينا وتضحك.
لكن وسط هذا الركام من الخضوع والجزية المعاصرة، هناك من قرر ألا يدفع...
هناك من رمى الدفتر القديم، وكتب تاريخًا جديدًا، لا بالحبر، بل بالنار والرصاص.
الجمهورية الإسلامية، مهما اختلفنا أو اتفقنا معها، تقف اليوم كإصبع في عين الرواية المزوّرة، وتثبت للعالم أن هناك من ما زال يقاوم، لا ليؤدي دورًا، بل ليصحح سردًا كاد أن يُحرّف.
إنها تقول للعرب النائمين في حضن البيت الأبيض:
ليس كل من يبتسم لكم ربًّا يُطاع،
وليس كل بيت أبيض بيتًا للزكاة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat