نتيجة الركون الى ولي الأمر الظالم في تفسير الميزان
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

عن مفهوم وعلاقة الركون والظلم والنصر جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ" ﴿هود 113﴾ تَرْكَنُوا: تَرْكَنُ فعل، وا ضمير. تركنوا: تميلوا و تتقَوَّوا. أو تطمئنوا. لا تركنوا: لا تَمِلْ قلوبكم بالمحبّة. وَ لا تَرْكَنوا: لا تميلوا و لا تستعينوا و لا ترضوا. فالمحصل من مضمون الآية نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمته عن الركون إلى من اتسم بسمة الظلم بأن يميلوا إليهم ويعتمدوا على ظلمهم في أمر دينهم أوحياتهم الدينية فهذا هو المراد بقوله: "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا" ﴿هود 113﴾. وقوله: "فتمسكم النار" ﴿هود 113﴾ تفريع على الركون أي عاقبة الركون هو مس النار، وقد جعلت عاقبة الركون إلى ظلم أهل الظلم مس النار وعاقبة نفس الظلم النار، وهذا هو الفرق بين الاقتراب من الظلم والتلبس بالظلم نفسه. وقوله: "وما لكم من دون الله من أولياء" في موضع الحال من مفعول "فتمسكم" أي تمسكم النار في حال ليس لكم فيها من دون الله من أولياء وهو يوم القيامة الذي يفقد فيه الإنسان جميع أوليائه من دون الله. أوحال الركون إن كان المراد بالنار العذاب، والمراد بقوله: "ثم لا تنصرون" نفي الشفاعة على الأول والخذلان الإلهي على الثاني. والتعبير بثم في قوله: "ثم لا تنصرون" ﴿هود 113﴾ للدلالة على اختتام الأمر على ذلك بالخيبة والخذلان كأنه قيل: تمسكم النار وليس لكم إلا الله فتدعونه فلا يجيبكم وتستنصرونه فلا ينصركم فيئول أمركم إلى الخسران والخيبة والخذلان. وقد تحصل مما تقدم من الأبحاث في الآية أمور: الأول: أن المنهي عنه في الآية إنما هو الركون إلى أهل الظلم في أمر الدين أو الحياة الدينية كالسكوت في بيان حقائق الدين عن أمور يضرهم أو ترك فعل ما لا يرتضونه أو توليتهم المجتمع وتقليدهم الأمور العامة أو إجراء الأمور الدينية بأيدهم وقوتهم وأشباه ذلك. وأما الركون والاعتماد عليهم في عشرة أو معاملة من بيع وشرى والثقة بهم وائتمانهم في بعض الأمور فإن ذلك كله غير مشمول للنهي الذي في الآية لأنها ليست بركون في دين أو حياة دينية، وقد وثق النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ما خرج من مكة ليلا إلى الغار برجل مشرك استأجر منه راحلة للطريق وائتمنه ليوافيه بها في الغار بعد ثلاثة أيام وكان يعامل هو وكذا المسلمون بمرأى ومسمع منه الكفار والمشركين.
وعن الركون وعلاقته بالولاية في تفسير العلامة السيد الطباطبائي للآية هود 113: الثاني: أن الركون المنهي عنه في الآية أخص من الولاية المنهي عنها في آيات أخرى كثيرة فإن الولاية هي الاقتراب منهم بحيث يجعل المسلمين في معرض التأثر من دينهم أو أخلاقهم أو السنن الظالمة الجارية في مجتمعاتهم وهم أعداء الدين، وأما الركون إليهم فهو بناء الدين أو الحياة الدينية على ظلمهم فهو أخص من الولاية موردا أي أن كل مورد فيه ركون ففيه ولاية من غير عكس كلي، وبروز الأثر في الركون بالفعل وفي الولاية أعم مما يكون بالفعل. ويظهر من جمع من المفسرين أن الركون المنهي عنه في الآية هو الولاية المنهي عنها في آيات أخر. قال صاحب المنار في تفسيره، بعد ما نقل عن الزمخشري قوله: إن النهي في الآية متناول للانحطاط في هواهم والانقطاع إليهم ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم والرضا بأعمالهم، والتشبه بهم والتزيي بزيهم، ومد العين إلى زهرتهم، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم، وتأمل قوله: "ولا تركنوا" ﴿هود 113﴾ فإن الركون هو الميل اليسير، وقوله: "إلى الذين ظلموا" ﴿هود 113﴾ أي إلى الذين وجد منهم الظلم، ولم يقل: إلى الظالمين. انتهى. أقول: كل ما أدغمه في النهي عن الركون إلى الذين ظلموا قبيح في نفسه لا ينبغي للمؤمن اجتراحه، وقد يكون من لوازم الركون الحقيرة ولكن لا يصح أن يجعل شيء منه تفسيرا للآية مرادا منها، والمخاطب الأول بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والسابقون الأولون إلى التوبة من الشرك والإيمان معه، ولم يكن أحد منهم مظنة للانقطاع بظلمة المشركين، والانحطاط في هواهم، والرضا بأعمالهم. إلى آخر ما أطنب فيه. وقد ناقض فيه نفسه أولا حيث اعترف بكون بعض الأمور المذكورة من لوازم الركون لكنه استحقرها ونفى شمول الآية لها، والمعصية كلها عظيمة لا يستهان بها غير أن أكثر المفسرين هذا دأبهم لا ينقبضون عن نسبة بعض المساهلات إلى بيانه تعالى. وأفسد من ذلك قوله: إن المخاطب الأول بهذا النهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والسابقون الأولون ولم يكونوا مظنة للانقطاع إلى ظلمة المشركين والانحطاط في هواهم والرضا بأعمالهم إلخ فإن فيه أولا: أن الخطاب خطاب واحد موجه إليه صلى الله عليه وآله وسلم وإلى أمته، ولا أول فيه ولا ثاني، وتقدم بعض المخاطبين على بعض زمانا لا يوجب قصور الخطاب عن شمول بعض ما في اللاحقين مما ليس في السابقين إذا شمله اللفظ.
وعن أنواع النواهي والمحرمات غير الركون الى الظالم جاء في تفسيؤ الميزان للآية هود 113: وثانيا: أن عدم كون المخاطب مظنة للمعصية لا يمنع من توجيه النهي إليه وخاصة النواهي الصادرة عن مقام التشريع وإنما يمنع عن تأكيده والإلحاح عليه وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عما هو أعظم من الركون إلى الذين ظلموا كالشرك بالله وعن ترك تبليغ بعض أوامره ونواهيه، قال تعالى:" وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ": (الزمر 65)، وقال:"يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته": (المائدة 67)، وقال:" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ": (الأحزاب 1-2) ولا يظن به صلى الله عليه وآله وسلم أن يشرك بربه البتة، ولا أن لا يبلغ ما أنزل إليه من ربه أويطيع الكافرين والمنافقين أو لا يتبع ما يوحى إليه من ربه إلى غير ذلك من النواهي. وكذا السابقون الأولون نهوا عن أمور هي أعظم من الركون المذكور أو مثله كقوله: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" (الأنفال 25) نزلت في أهل بدر وفيهم السابقون الأولون وقد وصف بعضهم بقوله:"الذين ظلموا" وهو أشد لحنا من قوله: "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا" ﴿هود 113﴾، وكعدة من النواهي الواردة في كلامه في قصص بدر وأحد وحنين، والنواهي الموجهة إلى نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكل ذلك مما لم يكن يظن بالسابقين الأولين أن يبتلوا به على أن بعضهم ابتلي ببعضها بعد. الثالث: أن الآية بما لها من السياق المؤيد بإشعار المقام إنما تنهى عن الركون إلى الذين ظلموا فيما هم فيه ظالمون أي بناء المسلمين دينهم الحق أوحياتهم الدينية على شيء من ظلمهم وهو أن يراعوا في قولهم الحق وعملهم الحق جانب ظلمهم وباطلهم حتى يكون في ذلك إحياء للحق بسبب إحياء الباطل، ومآله إلى إحياء حق بإماتة حق آخر كما تقدمت الإشارة إليه. وأما الميل إلى شيء من ظلمهم وإدخاله في الدين أو إجراؤه في المجتمع الإسلامي أو في ظرف الحياة الشخصية فليس من الركون إلى الظالمين بل هو دخول في زمرة الظالمين. وقد اختلط هذا الأمر على كثير من المفسرين فأوردوا في المقام أبحاثا لا تمس الآية أدنى مس، وقد أغمضنا عن إيرادها والبحث في صحتها وسقمها إيثارا للاختصار ومن أراد الوقوف عليها فليراجع تفاسيرهم.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat