خصوصية المفردة القرآنية (40) أقلامُ الأشجارِ ومدادُ البحارِ… ولن تنفد كلماتُ الجبّار
د . رعد هادي جبارة
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . رعد هادي جبارة

🖇
*﷽*
{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
(لقمان: 27)
☆☆ تمهيد لغوي:
(لو) إذا كانت شرطية فهي حرف امتناع (الجواب) لامتناع (الشرط)، أي امتناع تحقق الجواب لامتناع تحقق الشرط، وهذا مطّرد فيها سواء كان شرطها ماضيًا أو مضارعًا.
☆أنواع "لو" في القرآن الكريم:
1. الشرطية غير الجازمة:
مثل قوله تعالى:
{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ}
وهي حرف شرط غير جازم مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
2. المصدرية:
مثل قوله تعالى:
{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ}
وهي حرف مصدري مبني على السكون، والمصدر المؤول من (لو + الفعل) في محل نصب مفعول به للفعل يودّ.
■ قاعدة مهمة جدًا:
كل "لو" في القرآن الكريم شرطية غير جازمة ما لم تُسبق بـ ودَّ أو يودّ، فتكون حينئذٍ حرفًا مصدريًا(محمد مكاوي).
☆☆ ورود "لو" في القرآن الكريم:
ورد هذا الحرف في 127 موضعًا من القرآن الكريم:
■في 65 منها مفردًا، مثل قوله تعالى:
{قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} (الإسراء: 100)
-وفي 60 موضعًا مقترنًا بالواو، مثل:
{وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِندِ اللَّهِ خَيْرٌ} (البقرة: 103)
-وفي 3 مواضع مقترنًا بالفاء:
{فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} (الأنعام: 149)
{فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الشعراء: 102)
{فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} (محمد: 21)
☆☆ مفهوم الآية:
قوله تعالى:
{وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}
-(من شجرة) بيان للموصول، والشجرة واحد الشجر، وتفيد الاستغراق.
-(والبحر يمده من بعده سبعة أبحر): أي يعينه بسبعة أمثاله، والسبعة هنا للتكثير لا للتحديد العددي.
-(كلمات الله): الكلمة هي اللفظ الدال على معنى، وأُطلقت في القرآن على الوجود المفاض بالأمر الإلهي كما في قوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس: 82)، وأُطلق على المسيح عليه السلام أنه كلمة الله في قوله: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} (النساء: 171).
فالمعنى: لو جُعلت أشجار الأرض أقلامًا، والبحار مدادًا، ثم كُتبت بها كلمات الله، لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات الله، لأنها غير متناهية.
ويُفهم أن قوله تعالى: (إن الله عزيز حكيم) تعليل؛ أي أنه تعالى عزيز لا يُعجزه شيء، حكيم لا يُفوّض تدبير خلقه لغيره.
(الميزان – السيد الطباطبائي، ج16، ص232–233)
☆☆ ما قاله الطبري
قال الإمام الطبري في تأويل الآية: ولو أن شجر الأرض كلها بُريت أقلامًا، والبحر له مداد، ثم كُتبت بها كلمات الله، لتكسّرت الأقلام، ونفد المداد، ولم تنفد كلمات الله.
ونقل الطبري عن بعض العلماء أقوالا::
-الحسن البصري: لو جعل شجر الأرض أقلامًا، وجعل البحور مدادًا، وقال الله من أمري كذا وكذا، لنفد ماء البحور وتكسّرت الأقلام.
-قتادة: قال المشركون: إن هذا الكلام سينفد، فقال الله تعالى: لو كان شجر البرّ أقلامًا ومع البحر سبعة أبحر، ما نفدت عجائب ربي وحكمته وخلقه وعلمه.
وروي أن الآية نزلت لما جادل اليهودُ النبيَّ ﷺ وآله في قوله تعالى:
{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}
فأنزل الله:
{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ...}
ليُبيّن أن علم الله لا يُحاط به، وأن ما أوتوه من العلم قليل بالنسبة إلى علم الله تعالى.
☆☆ اختلاف القرّاء:
اختلف القرّاء في قوله: (والبحرُ يمدّه...)
قرأها عامّة قرّاء المدينة والكوفة بالرفع (والبحرُ) على الابتداء.
وقرأها قرّاء البصرة بالنصب (والبحرَ) عطفًا على (ما) في قوله (ولو أن ما في الأرض...).
قال الطبري: “وبأيٍّ من القراءتين قرأ القارئ فمصيب.”
☆☆الخلاصة:
الآية الكريمة تشير إلى أن المفاهيم القرآنية كالبحر الكبير وأن كلام الله جل جلاله لايمكن حصر تفسيره في تفسير أو اثنين او مائة او مائتين،وكلمات الله لا تُحصَر ولا تُستقصى، وأن الذي يظن أنه استوعب كل المفاهيم القرآنية لهذه الآية أو تلك في كتابه او محاضرته فهو واهم مخطئ،فكلمات الله وصفاته لا يمكن حصرها أو نفادها، حتى لو استُخدمت جميع أشجار الأرض كأقلام وكل البحار كمداد لها، فإنها لن تكفي لكتابتها،
وتهدف الآية إلى إثبات جلال الله وقدرته المطلقة، وأن كلامه وصفاته لا نهاية لهما، وأن العباد مهما حاولوا إدراك ذلك فإنهم لن يحيطوا به.
ولاشك أن كلمات الله تعالى، لا تُحصر ولا تُعد، وذلك يدل على كمال الله وجلاله وقدرته.
"إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".
إذن؛هذه الآية تُضرب كَمَثَلٍ لعظمة كلام الله تعالى وصفاته التي لا تنفد، للتأكيد على أن الكمال الإلهي لا يُحيط به أي مخلوق مهما بلغ،وأن الباحث عن معاني القرآن العظيم ينبغي أن يتسع صدره ويستمر بحثه ويواصل سعيه ليل نهار ،بين الآيات والروايات، وأحاديث العترة الطاهرة، و التفاسير التي صدرت عن علماء كل المذاهب الإسلامية ومعاجم اللغة العربية،حتى يصيب كبد الحقيقة ويشفي غليله من البحث و الاستقصاء،ويُشبع نهمه من المعرفة القرآنية، دون كلل أو ملل.
أليس كذلك؟!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat