صفحة الكاتب : د . رعد هادي جبارة

مفردة [المنّ] القرآنية:  دلالاتها الاجتماعية  وأبعادها المعرفية
د . رعد هادي جبارة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 🔗خصوصية المفردةالقرآنية37

📌المدخل

﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(الحجرات17)

من المفاهيم القرآنية المهمة مفهوم [المنّ]. وحديثنا هنا لا يخص الله ﷻ المنّان علينا بنعم عظيمة، بل نتكلم عن الشخص المنّان، وهو مَنْ يَعُدُّ وَيَحْسبُ مَا يَفْعَلُهُ ويقدمه مِنْ صَنَائِع وعَطَايَا لِشخصٍ آخر وكأنه يعيّر بها غَيْرِهِ، وهو منٌّ مذموم ممنوع الأجر.
قال الله ﷻ:
﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ ﴾(الحجرات17)

📌كلمة"المنّ"في القرآن
   وردت كلمة (مَنَّ) بصيغ مختلفة في القرآن الكريم 51 مرة؛ منها:
📍فعل ماضٍ:8 مرات؛ منها﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ (آل عمران: 164)
📍فعل مضارع:7 مرات؛ منها﴿ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ (إبراهيم: 11)
📍فعل أمر:مرة واحدة هي:﴿ هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (سورةص: 39)
📍اسم مفعول:4 مرات، منها:﴿ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴾ (القلم: 3)
📍مصدر:6 مرات، منها:﴿ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ﴾ (محمد: 4)

📌وجوه المنّ في القرآن
■القطع:
﴿ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ (التين 6) أي غير مقطوع.
■العطاء:
﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ (آل عمران164).

📌هل حديث الشخص عن إنجازاته "مَنٌّ"؟ 
❓ هل كل حديث لأي شخص عن منجزاته أو كفاءاته أو تضحياته أو مزاياه الذاتية وعطاءاته للأمة وللمجتمع يدخل تحت عنوان [المَنّ]؟
📌 الجواب:
طبعًا لا. فالحديث عن الصفات والمؤهلات والسوابق الجهادية لا يُعدّ من المنّ المذموم إذا:
_جُهل قدره.
_جُحِد فضله.
_غُبِن حقه.
_ظُلِم في درجته الوظيفية.
_قُدّم عليه من هم أقل شأناً ومؤهلات.

📌وهنا يكون الإنسان مضطراً ليفصح عن؛
 ●السوابق الجهادية 
●والمؤهلات الذاتية 
●والتضحيات العائلية
●والانجازات المتميزة
●والكفاءات الذاتية
●والمستوى الارقى
●وأحقيتك بمراتب أعلى 
 دفعًا للظلم وإحقاقًا للحق، كما فعل الإمام زين العابدين (ع) في مجلس يزيد حين عرّف بنفسه وبيّن مكانته وأصله الشريف.قائلا:
*[أَنَا ابنُ خَيرِ مَن حَجَّ وَلَبَّى، أَنَا ابنُ مَن حُمِلَ عَلَى البُرَاقِ فِي الهَوَاءِ. أَنَا ابنُ مَن أُسرِيَ بِهِ مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى، أَنَا ابنُ مَن بَلَغَ بِهِ جَبرَئِيلُ إِلَى سِدرَةِ المُنتَهَى.أَنَا ابنُ مَن دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوسَينِ أَو أَدنى‏، أَنَا ابنُ مَن صَلَّى بِمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ، أَنَا ابنُ مَن أَوحَى إِلَيهِ الجَلِيلُ مَا أَوحَى.أَنَا ابنُ مُحَمَّدٍ المُصطَفَى، أَنَا ابنُ عَلِيٍّ المُرتَضَى، أَنَا ابنُ مَن ضَرَبَ خَرَاطِيمَ الخَلقِ حَتَّى قَالُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.أَنَا ابنُ مَن ضَرَبَ بَينَ يَدَي رَسُولِ اللَّهِ بِسَيفَينِ، وَطَعَنَ بِرُمحَينِ، وَهَاجَرَ الهِجرَتَينِ، وَبَايَعَ البَيعَتَينِ، وَقَاتَلَ بِبَدرٍ وَ حُنَينٍ، وَلَم يَكفُر بِاللَّهِ طَرفَةَ عَينٍ. أَنَا ابنُ صَالِحِ المُؤمِنِينَ، وَوَارِثِ النَّبِيِّينَ، وَقَامِعِ المُلحِدِينَ، وَيَعسُوبِ المُسلِمِينَ، وَنُورِ المُجَاهِدِينَ، وَزَينِ العَابِدِينَ، وَتَاجِ البَكَّائِينَ، وَأَصبَرِ الصَّابِرِينَ، وَ أَفضَلِ القَائِمِينَ مِن آلِ يَاسِينَ رَسُولِ رَبِّ العَالَمِينَ.أَنَا ابنُ المُؤَيَّدِ بِجَبرَئِيلَ المَنصُورِ بِمِيكَائِيلَ. أَنَا ابنُ المُحَامِي عَن حَرَمِ المُسلِمِينَ وَقَاتِلِ المَارِقِينَ وَالنَّاكِثِينَ وَالقَاسِطِينَ، وَالمُجَاهِدِ أَعدَاءَهُ النَّاصِبِينَ، وَأَوَّلِ مَن أَجَابَ وَاستَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مِنَ المُؤمِنِينَ،وَ أَوَّلِ السَّابِقِينَ، وَقَاصِمِ المُعتَدِينَ، وَمُبِيدِ المُشرِكِينَ، وَسَهمٍ مِن مَرَامِي اللَّهِ عَلَى المُنَافِقِينَ، وَلِسَانِ حِكمَةِ العَابِدِينَ، وَنَاصِرِ دِينِ اللَّهِ، وَوَلِيِّ أَمرِ اللَّهِ، وَ بُستَانِ حِكمَةِ اللَّهِ، وَ عَيبَةِ عِلمِهِ. ووو....الخ*

فهذا الكلام ليس ينطوي على تفاخر بالباطل أو مَنٍّ بالإحسان،بل هو 
بيانٌ لمظلوميته،
و تثبيتٌ لمنجزات أبيه ومساعي جده،
وتذكيرٌ بما أنكروه من فضائلَ ومناقب،
و دحضٌ لإدعاءات السلطةالظالمة بأن سبايا أهل البيت ع هم من الخوارج أو من سبايا الترك والديلم!!!

📌تقرير القرآن:
  إن القرآن الكريم يقرر أن المجاهدين والمنْفقين وأهل العلم والمعرفة أفضل من غيرهم:
﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿۹﴾﴾(الزمر9)
﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ﴾(الأنعام50)
﴿ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا  }(الحديد10)
لكن بعض ذوي المناصب في واقعنا يجعلون [الأعمى] بمنزلة [البصير] ويفضلونه عليه لمجرد المحسوبية أو التملق لهم، فيغبنون أهل الكفاءة والعلم والجهاد والايمان والهجرة.
فعندما تكون؛ #(الواسطة) 
#و(المحسوبية) #و(المنسوبية)
#و(التملق)
هي المعيار في التفاضل وتشخيص الاستحقاق،
#وتغدو المحاصصة هي أساس: 
◇التفاضل 
◇و التعيينات 
◇والترقيات 
◇والدرجات الوظيفية.
فماذا ينبغي أن تفعل؟!! أفصح بأفضليتك وطالب بحقك بناء على كفالتك واستحقاقك، ولاتصمت.

📌الخاتمة
خلاصة القول: إنَّ "المنّ" في القرآن الكريم مفهوم متعدد الأبعاد؛ فقد يأتي بمعنى العطاء الإلهي الجزيل، وقد يرد بمعنى المذمة إذا ارتبط بالإنسان وسوءتعامله مع صديقه أو أهله. لكنَّ القرآن يقرر أنَّ بيان الفضل والسبق والجهاد والعلم والهجرة والتضحية، ومطالبة الشخص بحقه عند إنكار الحاكمين للحق أو غمط أهله؛ لا يدخل في باب المنّ المذموم، بل هو من باب الإنتصاف ورفع الظلم وإظهار الحقائق وعدم الإذعان بالظلم. ومن هنا نفهم أن تمييز المنازل و المراتب ينبغي أن يُبنى على العلم والجهاد والتضحية والإيمان، لا على المحسوبيات و المصالح الضيقة:
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾؟ 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . رعد هادي جبارة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/09/28



كتابة تعليق لموضوع : مفردة [المنّ] القرآنية:  دلالاتها الاجتماعية  وأبعادها المعرفية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net