صفحة الكاتب : د . رعد هادي جبارة

خصوصية المفردة القرآنية 38 :كتاب الله ورسوله يدعو المؤمن للبشاشة والسرور*
د . رعد هادي جبارة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ (يونس: 58)

■□ تمهيد:

يظن البعض أن الدين كله بكاء وشقاء، و بؤس وحزن، وعناء و دماء! وأن القرآن الكريم يطلب من المؤمنين أن يحزنوا دائماً، ويرهبوا النار وخازنها مالك، و يخشوا من جهنم و عذابها، ويقضوا حياتهم في تعاسة و دموع، وكآبة ومعاناة!

 

■□ ما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ:

لكن الحقيقة ليست هذه البتة، فالحياة لم يخلقها ٲلـلَّـﷻـۂ ويخلقنا إلا وخلق فيها الأمل والتفاؤل والفرح و البشاشة والبشائر المبهجة والمناظر الجميلة في الطبيعة.

 

■□ مفاهيم القرآن الأصيلة:

القرآن يذكر في العديد من الآيات هذه المفاهيم، كقول ٲلـلَّـﷻـۂ :

--﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا ﴾(النمل: 19)

--﴿وَبِذٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾(يونس:58)

--﴿ نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ﴾(الحجر: 53)

--﴿ نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ ﴾(مريم: 7)

--﴿ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ﴾ (الذاريات: 28)

--﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ (الصافات: 101)

--﴿ قَالَ يَا بُشْرَىٰ هَٰذَا غُلَامٌ ﴾ (يوسف: 19)

--﴿ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا ﴾ (هود: 71)

--﴿ أَنْ لَّا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ ﴾ (القصص: 7)

--﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ﴾ (القصص: 13)

إذن:

لقد عُني القرآن الكريم بالسرور والفرح في آيات كثيرة، عرضت له بطريقة مباشرة وغير مباشرة، منثورة في سوره الكريمة. ويستفاد منها مجتمعة أن الفرح ثلاثة أقسام:

1. محمود (في طاعة الله).

2. مذموم (فرح بالمعاصي والمنكرات).

3. مباح (فرح بنعم ٲلـلَّـﷻـۂ وجمال الطبيعة ومع الأسرة).

 

■□ الفرح المحمود:

ثلاث آيات قرآنية ورد فيها الفرح موصوفًا محمودًا، وهي:

﴿ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ (آل عمران: 170).

﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ (يونس: 58).

﴿ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۗ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّـهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ (الروم: 4-5).

 

بل حتى في سورة [عبس] يذكر القرآن الفرح والضحك!:

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ ﴾ (عبس: 38-39).

 

■□ مفردة "سرور" في القرآن

وردت كلمة "سرور" و"مسرور" ثلاث مرات في الآيات التالية:

﴿ فَوَقَاهُمُ اللَّـهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ﴾ (الإنسان: 11).

﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴾ (الانشقاق: 7-9).

وجاءت لفظة "سرورًا" في آية الإنسان في سياق وصف حال المؤمنين يوم القيامة في مقابل حال الفُجَّار. فبدلاً من "عبوس الفجّار" يُعطي ٲلـلَّـﷻـۂ المؤمنين نضرة في الوجوه وسرورًا في القلوب. (الكشاف 4/197).

 

■□ القرآن بشرى لا نكد

#بل إن ٲلـلَّـﷻـۂ يخبر رسوله أن نزول القرآن كان بشرى للمؤمنين، ولم يكن نكداً عليهم وتعاسة، إذ قال عز وجل :

﴿ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ﴾ (طه: 2).

﴿ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّـهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ (البقرة: 97).

#والمؤمنون يوم القيامة يصفهم ٲلـلَّـﷻـۂ بأنهم "فرحون، مستبشرون":

﴿ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ... يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ (آل عمران: 170-171).

 

■□ في الروايات الشريفة:

#روى أنس بن مالك خادم النبي عن رسول الله ﷺ وآله:

«لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَىٰ رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَٰلِكَ إِذَا هِيَ قَائِمَةٌ عِنْدَهُ...» (رياض الصالحين، ص17؛ وموسوعة الأحاديث النبوية).

#وقال النبي ﷺوآله: «من أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن؛ تقضي له دينًا، أو تنفس له كربة، أو تقضي له حاجة»

(صحيح الجامع 5773).

#وروى ابن أبي الدنيا في (قضاء الحوائج): «ما من مؤمن أدخل سرورًا إلا خلق الله من ذلك السرور ملكًا يعبد الله ويمجده ويوحده، فإذا صار المؤمن في لحده أتاه السرور الذي أدخله على أخيه...».

#وقال الإمام الصادق (ع): «إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج معه مثال، يقول: أنا السرور الذي كنتَ أدخلتَ على أخيك المؤمن في الدنيا» (مركز البصيرة).

#وقال الإمام الصادق (ع): «مَن سرَّه أن يزوجه الله الحور العين ويتوجه بالنور فليدخل على أخيه المؤمن السرور»

(بحار الأنوار، ج75، ص280).

#وقال الصادق (ع) لضيفه: «ما ثواب من أدخل عليه السرور؟» قلت: عشر حسنات. فقال: «إي والله، وألف ألف حسنة».

#وعن الإمام الصادق (ع): «من أدخل السرور على مؤمن فقد أدخله على رسول الله ﷺ وآله، ومن أدخله على رسول الله فقد وصل ذلك إلى الله»

(الكافي للكليني، ج2، ص192).

 

■□ الخلاصة

إذن:

ربنا يحب الفرح والسرور ويثيب عليهما ويبشّر بالخير، ولا يريد لنا النكد والبؤس والتعاسة.

 

ونبينا الأكرم ﷺ وآله الذي بعثه ٲلـلَّـﷻـۂ رحمة للعالمين، يطلب من المؤمن أن يكون هشًّا بشًّا، ويعتبر إدخال السرور على المؤمنين عبادة: «إنّ أحبَّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ إدخالُ السرور على المؤمنين».

 

وقرآننا مليء بآيات ومفردات السرور والابتسامة والبشرى والضحك، وهي تعطي للبشرية صورة جميلة عن ديننا الحنيف اللطيف.

فما بال بعض الدعاة والخطباء و المحاضرين لا نجده إلا عبوسًا قمطريرًا؟! و نجد بعضهم لا يكادون يبشرون الناس برحمة الله ونعمته وجنته و رضوانه؟ مع أن النبي ﷺ وآله قال: «بشّروا ولا تنفّروا، ويسّروا ولا تعسّروا» (أبو داود 4835).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . رعد هادي جبارة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/10/04



كتابة تعليق لموضوع : خصوصية المفردة القرآنية 38 :كتاب الله ورسوله يدعو المؤمن للبشاشة والسرور*
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net