أميركا تدربنا على الورق... لتحمي اللصوص !!
زيد الحسن
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
زيد الحسن

مفارقة عجيبة يعيشها العراق: متفقون مع أميركا على اتفاق أمني، وفي الوقت ذاته نتلقى التهديدات بالقصف يوميًا من نفس الطرف ، كيف نثق باتفاقية تحرسها يد تُهدّدنا؟
في ملف العلاقات العراقية - الأميركية، لا تزال الاتفاقية الأمنية الموقعة عام 2008 محط جدل واسع، وكأنها ورقة موقعة على فراغ، تدربنا عليها على الورق، لكن في الميدان لم تأتِ النتائج المرجوة ، هذا الشعور بالخيبة دفع بعض النواب العراقيين إلى المطالبة بإلغائها، معتبرين أن استمرار الوجود الأميركي لا يعكس مصلحة العراق، بل أحيانًا يشكل حاجزًا أمام تعزيز السيادة الوطنية وحماية أمن الدولة .
وقّع العراق والولايات المتحدة في عام 2008 اتفاقية الإطار الاستراتيجي، والتي تضمنت بنودًا لتنظيم انسحاب القوات الأميركية من العراق، وتأسيس قواعد للتعاون في مجالات متعددة، أبرزها الأمن والتدريب والدعم اللوجستي. انتهى الوجود القتالي الأميركي رسميًا نهاية عام 2011، غير أن التهديد الذي مثله تنظيم داعش عام 2014 أعاد تشكيل التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وعاد جزء من القوات الأميركية إلى الأراضي العراقية بطلب رسمي.
اليوم، بعد أكثر من عقد على توقيع الاتفاق، يُعاد فتح ملفها سياسيًا وإعلاميًا، وسط تباين واضح في وجهات النظر.
النواب والجهات السياسية الداعية إلى إلغاء الاتفاقية ينطلقون من مبدأ تعزيز السيادة الوطنية، ويرون أن بقاء أي قوات أجنبية على الأراضي العراقية لم يعد مبررًا في ظل التطور الحاصل في قدرات القوات الأمنية، وارتفاع وتيرة الصدامات التي تحصل أحيانًا بين القوات الأميركية وبعض الفصائل المسلحة داخل العراق.
ويذهب هؤلاء إلى أن العراق ينبغي أن يتحرر من أية تبعية عسكرية أو سياسية، ويسعى لبناء علاقات متوازنة مع جميع الدول دون انخراط مباشر في صراعات لا تخدم مصلحته ، في المقابل، يرى مراقبون أن إلغاء الاتفاقية بشكل مفاجئ أو غير مدروس قد يترك فراغًا أمنيًا وفنيًا يصعب تعويضه في المدى القريب ، فالقوات العراقية، على الرغم من تطورها، ما تزال تعتمد جزئيًا على الدعم التقني والاستخباراتي الذي تقدمه واشنطن، خاصة في رصد نشاط الجماعات الإرهابية التي تنشط بشكل متقطع.
كما أن غياب العلاقة المنظمة مع الولايات المتحدة قد يُربك ملفات التعاون في مجالات أخرى مثل التدريب، والتسليح، والاقتصاد، ويؤثر على علاقات العراق مع عدد من حلفائه وشركائه الغربيين ،
الجدل الدائر يعكس حالة صحية في النقاش السياسي العراقي، لكنه يتطلب مقاربة أكثر عمقًا من مجرد الوقوف مع أو ضد ، فالمطلوب هو قرار سيادي حقيقي، ينبع من قراءة دقيقة لمتطلبات الواقع، وليس من ردود أفعال آنية أو ضغوط ظرفية.
فالسيادة لا تتحقق فقط بإلغاء اتفاقية، بل بتمكين مؤسسات الدولة، وتحقيق الاستقلالية في القرار، وفتح قنوات متوازنة مع الشرق والغرب دون الارتهان لأي طرف.
العراق اليوم أمام فرصة لإعادة تعريف علاقاته الخارجية بما يخدم أمنه واستقراره وتنميته ، ويبقى على صانع القرار العراقي أن يوازن بين الاعتزاز بالسيادة، والحفاظ على المصالح العليا للدولة.
في النهاية، مهما تباينت الآراء حول الاتفاقية الأمنية، يبقى السؤال: لماذا لم تحقق هذه الاتفاقية الأمن والاستقرار الذي وعدتنا به؟ الجواب قد لا يكون في غياب الدعم الأميركي وحده، بل في طبقة سياسية لا تزال تُوقّع الاتفاقيات، وتعلّق الوعود، لكنها تعجز عن التنفيذ الفعلي.
فالطبقة السياسية هي الحارس الحقيقي على هذه "الاتفاقية على الورق"، التي تُدرّبنا على الصبر، وتحمي اللصوص، لكنها لا تحمي الوطن ولا المواطن.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat