عندما احترق الإنسان قبل أن تشتعل الأشجار !!
زيد الحسن
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
زيد الحسن

في زمنٍ باتت فيه النيران تضيء ليل المدن أكثر من المصابيح، وصوت الانفجار أعلى من صوت الأذان، صار من الصعب أن نتذكر كيف كانت الحياة قبل أن يصبح خبزنا ممزوجًا بالرماد، وأحلامنا محمولة في سيارات الإسعاف.
كأننا دخلنا زمنًا عبثيًا، لا تفسير له ولا بوصلات فيه، حيث يُقتل الناس لا لأنهم أعداء، بل لأنهم ببساطة كانوا هناك.
صار الموت مسألة إحصاء، لا فاجعة. والدم مشهدًا مكررًا، لا صدمة. وكل ما يُقال بعد المجازر بات محفوظًا: استنكار، تبرير، صمت.
لم نعد نُسأل: من قتل؟ بل كم قُتل؟.
لم يعد السؤال: لماذا الحرب؟ بل أين وصل القصف؟
وكل ذلك يحدث، والإنسان يُمحى، لا برصاصة واحدة، بل بمشروع طويل النفس، يبدأ بتشويه الوعي وينتهي بخراب الروح.
نعم، الأشجار احترقت... لكن الحقيقة الأشد مرارة أن الإنسان احترق قبلها.
احترق في صمته، في خوفه، في سكوته المبتلع، وفي مشهد الجنازة الذي أصبح جزءًا من روتينه اليومي.
الحديث كثير عن كرامة الأرض، عن تحريرها، عن استعادة الهيبة ،
لكن لا أحد يتحدث عن كرامة الإنسان، عن أمان الطفل في حضن أمه، عن حق العجوز أن ينام دون أن يفزعه دويّ.
إن ما يجري ليس مجرد معركة على الخريطة، بل صراع على المعنى.
وهذا المعنى بات مصلوبًا على جدران النفاق الدولي، والمصالح الضيقة، والصمت العالمي المذهل.
ولأننا في الشرق، نعرف جيدًا من أين يأتي الشر، نعرف أن الرياح التي تحمل البارود لا تهبّ من نوافذنا.
لطالما جاء البلاء من الغرب... لا من جهة القبلة، بل من جهة الطائرات التي لا تُصلّي، ومن الطاولات التي تُقسم الحدود كما تُقسم الكعكة في حفلات الجنرالات.
نعم، هناك شرٌّ يتقاطع ويتناوب، لكن جذوره دائماً تأتي من تلك البقعة التي لا تعرف إلا أن تشتري وتبيع، وتستثمر حتى في وجع الشعوب.
لقد تعبنا.
لا نريد نصرًا، بل نجاة.
لا نطلب مجدًا، بل سكينةً نستحقها كبشرٍ ولدوا على هذه الأرض قبل أن تُفرغها الصواريخ من معناها.
نريد أن نعيش. فقط.
نريد أن نتنفس دون أن نحسب أنفاسنا الأخيرة.
فهل هذا كثير؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat