الإمام علي والغدير ما بين السنّة والمسيح
يقين محمد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يقين محمد

عليٌّ الدرُّ والذهبُ المصفّى
وباقي الناس كلهم ترابُ
قضية الإمام عليٍّ (عليه السلام) لا تنحصر في مذهب، بل هي عالمية المدى، لا يجهلها الشيعي، ولا يغفلها السني، ولم تَغب عن ناظر المسيحي المتأمل. عليٌّ طاهرٌ مطهَّر، وبيّنٌ ظاهر، لا يرتاب فيه منصف، ولا يتجاهله إلا مكابر، ولذا فإننا نسلط الضوء في هذا المقال على ما ورد في حقّه من مصادر السنّة والمسيحيين، لنفحم كل فمٍ أراد حجراً، ونملأه حديداً.
حديث الغدير وتواتره عند أهل السنّة
حديث الغدير: (من كنت مولاه فعليٌّ مولاه) قد رواه جماعة من أئمة الحديث، منهم أحمد بن حنبل، والحاكم من حديث ابن عباس، وابن أبي شيبة، وأحمد من حديث بريدة، وأحمد وابن ماجة عن البراء، والطبراني، وابن جرير، وأبو نعيم عن جندع الأنصاري، وابن قانع عن حبشي بن جنادة، وغيرهم من كبار المحدثين. وقد صنّف العلماء هذا الحديث في عداد المتواتر، وهو بحث أصولي له دلالته الراسخة (١).
وقد اعترف الإمام الصنعاني ـ وهو من كبار علماء السنّة ـ بتواتر حديث الغدير. والتواتر عندهم هو ما استحال تواطؤ رواته على الكذب لكثرتهم في كل طبقة، فلا يُفتّش في أسانيده، بل يؤخذ به جملةً وتفصيلاً.
أما ما يدّعيه بعض المشككين بأن "مولى" تعني "المحبّ" لا الخليفة، فإننا نرد عليهم بكلام ابن القيم، حيث قال: "إن فهمنا من (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) المحبة، لزم من هذه المحبة كمال الطاعة والانقياد، وتقديمه على النفس، وتنفيذ أمره...". فعليه، حتى لو كانت "مولى" تعني "المحب"، فهي لازمة لأولوية الطاعة، والخلافة من أوضح لوازمها (٢).
وقد ثبت في مصادر السنّة احتجاج الإمام علي (عليه السلام) بحديث الغدير على القوم، حين جمعهم في الرحبة فقال: "أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام؟"، فقام ثلاثون رجلًا فشهدوا أن النبي قال: "من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه" (٣).
الغدير في رؤية المسيحيين
تقول الكاتبة المسيحية إيزابيل بنيامين ماما آشوري في مقالها: "حوار بين غدير عفرون وغدير خم"، إنّ النبوة والخلافة توأمان لا يفترقان، ومنذ خلق الرب العالم، كانت خلافة الأنبياء جزءاً من المخطط الإلهي، وتستشهد بنص التوراة:
(فقال موسى للرب: ليُوكل الرب إلهاً على الجماعة، يخرج أمامهم ويدخل، كي لا تكون الجماعة كغنمٍ بلا راعٍ) (٤).
وهذا هو دعاء نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله): (اللهم إني أسألك بما سألك أخي موسى، فاجعل لي وزيرًا من أهلي، عليًّا أخي، أشدد به أزري) (٥).
وكأن النبي يستحضر مصير وصي موسى ليجعله ماثلاً في وصيّه.
هل إيليّا هو علي؟
جاء في إنجيل يوحنا (النص العبري) ذكر شخصية "إيليّا" التي تُسأل عنها الجموع، وتُنكر صلتها بالنبوة، مما يدل على أنها وصي لا نبي. ولأن "إيليّا" تعني بالعبرية "الرفيع" أو "المرتفع"، فإنها تطابق اسم "علي" في المعنى (٦).
وقد دلت نصوص من العهد القديم والجديد على البشارة بالأئمة الإثني عشر من نسل إسماعيل، ما يثبت اطلاع أهل الكتاب على هذه الأسماء قبل ولادتهم (٧).
عليٌّ في كتابات الغرب والمسيحيين
يقول توماس كارلايل في كتابه الأبطال:
"أما عليّ، فلا يسعنا إلا أن نحبّه ونعشقه، فقد كان عالي النفس، يفيض وجدانه رحمةً وبرّاً... وكان أشجع من ليث، لكنه عدل حتى ظنّ الناس كلهم عدولًا مثله، فقُتل بغدر!" (٨).
ويقول البارون كاراديفو:
"قاتل إلى جانب النبي ببسالة، وكان في بدر يشطر الفارس شطرين، وفي أُحد حمل سيف النبي، وفي خيبر اقتلع باباً عظيماً، وكان النبي يقول عنه: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه" (٩).
أما الأدباء المسيحيون، فقد أغنوا المكتبة العربية بما كتبوه عن علي، منهم: جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وشبلي شميل، وجورج شكور، وجوزيف الهاشم، وأنطوان بارا. وقد تفرد جورج جرداق بموسوعته الخالدة: عليٌّ صوت العدالة الإنسانية، التي فصّل فيها ملامح الإمام في السياسة والإنسانية والعدل.
ما كتبوه ليس ابتداعاً، بل هو امتداد لما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) في فضائل الإمام، ومن ذلك حديث الثقلين المتواتر، الذي فيه: (إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي...).
أسماء الإمام علي في الكتب السماوية
في رواية من بحار الأنوار يُسأل الإمام علي (عليه السلام) عن اسمه، فيقول:
"اسمي عند اليهود إليا، وعند النصارى إيليا، وعند والدي علي، وعند أمي حيدرة" (١٠).
وقد نقل المؤرخ ابن شهر آشوب المازندراني في مناقب آل أبي طالب تفصيلًا لأسمائه في مختلف الكتب واللغات.
---
المصادر
(١) توضيح الأفكار شرح تنقيح الأنظار، ص٢٤٣. وانظر: فتح الباري لابن حجر ٧/٧٤، ونظم المتناثر للكتاني، ص١٩٤-١٩٦.
(٢) مجموع الرسائل لابن القيم.
(٣) مسند أحمد بن حنبل – فضائل الصحابة، ج٢ ص٨٦.
(٤) سفر العدد ٢٧: ١٨.
(٥) ورد هذا الحديث في أكثر من ٢٢ مصدرًا سنيًا، فضلًا عن مصادر الشيعة.
(٦) المعجم الحديث عبري-عربي (ربحي كمال: ص٣٤٨)، ولسان العرب ١٥: ٨٣-٨٤.
(٧) انظر: أهل البيت في الكتاب المقدس، كاظم النصيري الواسطي.
(٨) الإمام علي صوت العدالة الإنسانية، ج٥، ص٢٣٥-٢٣٦.
(٩) المصدر السابق، ص٢٣٦.
(١٠) بحار الأنوار ١٠/٥٢، وانظر أيضًا: مناقب آل أبي طالب ٣/٢٧٥.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat