كعادتي لا أحب التعليق على الأحداث الساخنة والمواضيع الجدلية في حرارتها، أنا أنتظر الجدل يهدأ وتبرد الأقلام كي يكون صوتي مسموعاً ولو لرهط من الناس، لذلك تأخرت قليلاً بالتعليق على قضية العباءة الزينبية التي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي، وفي هذا الصدد أقول:
أولاً : إنَّ قرار مجلس محافظة بغداد ليس مُلزِماً للنساء بارتداء العباءة، بَل هو جواز لمَن تريد لبسها في دوائر الدولة بفعل ذلك، بكلمة أخرى مَن أرادت لبس العباءة فلتفعل لا عقاب ولا لَوم عليها، ومَن لم تُرِد ذلك فلا حقَّ لها باستعداء الأخريات، ولا يحق لأي مسؤول منع أي امرأة ترتديها من دخول الدائرة أو المؤسسة التي يُديرها.
ثانياً : لبس العباءة جزء من المعتقَد الديني لدى الكثير مِن النساء العراقيات، وحرية العقيدة مَصُونة بموجب المادة (42) الدستورية التي تنص على "لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة"، والمفروض إنَّ المنتقدين للقرار يؤمنون بالحرية الشخصية -كما يدَّعون- فليس مِن حقِّهم استنكار قرار يحمي الحرية الشخصية لفئة من المجتمع.
ثالثاً : ادَّعى البعض أنَّ العباءة لبس إيراني ليس عراقي، وهذا ادِّعاء يحتاج إلى إثبات بدليل قاطع، لأنَّ الثابت أنَّها لباس عراقي حتى قَبل مجيئ الإسلام، فهي منذ العهد البابلي كانت رداء المرأة العراقية.
رابعاً : ولو سلَّمنا جدلاً بدعوى أنَّها ليست عراقية فما الضير في لبسها؟ هل مِن المعَيب أنْ تلبس المرأة ما يغطي جسمها ويستر مَفاتنها، ومِن ثَمَّ تُخرِس ألسِنة المتقوِّلين وتُعمي أعيُن المُتحرِّشين؟
خامساً : وهل الملابس التي ترتدينها يا جناب المتحررات عراقية؟ لِعِلمكُنَّ كل ملابسكُنَّ التي تتفاخرن بها أوروبية فلا البنطلون ولا التنّورة ولا غيرهما عراقي الأصل، فعليكُنَّ أنْ تلمِزنَ أنفسكُنَّ قَبل لمز غيركُن، على الأقل العباءة فيها ستر ووقار عكس الملابس الخليعة الفاضحة التي تنتشر هنا وهناك.
سادساً : مَن يُردِّد كلام المدعو (فائق الشيخ علي) ويتَّهِم مرتديات العباءة بالبحث عن زواج المتعة ويَطْعن بشرفهن عليه أنْ يراجع أصل فائق هذا؛ كي يكتشف أنَّ أُمَّه كرْبَلائية وأباه نجفي [رحمهما الله]، وبالتالي فهو من محافظتَين اعتادت نساؤهما على لبس العباءة في حلَّهن وتِرْحالهن، فهل كانت خالاته وعماته عندما يلبسن العباءة يبحثن عن زواج المتعة؟ إذا قال (نعم كنَّ يردنَ المتعة) فيا له من أعوَج التفكير! وإذا قال (لا هو زَيُّهُنَّ المعتاد في الخروج) فهو كَيّال بمِكيالَين؛ لأنَّه يبرّئ نساءه ويَطْعن بنساء غيره، وفي كلتا الحالتَين لا يمكن احترام كلامه.
سابعاً : إنَّ القرار يكشف لنا مدى جهل كثير مِن الذين يسمّون أنفسهم (عَلمانيين) أو (مدنيين)، وكمية حقدهم على الدِين لمجرد أنَّه دِين، فهدفهم الحقيقي محاربة المتديِّنين ومنعهم مِن ممارسة حرِّيتهم الشخصية، ولو استتب الأمر بأيديهم لفعلوا كما فعل البعث المقبور من اعتقال وقتل وتشريد، في المقابل َلَكَ أنْ تتخيل لو أنَّ مجلس محافظة بغداد أصدر قراراً بجواز لبس الأزياء الخليعة الفاضحة كي ترى كمية المديح الذي يحصله من هؤلاء وكيف سيوْصَف بأنَّه حماية للحرية الشخصية.
ثامناً : والدليل على إنَّ مُعظم هؤلاء لا يؤمنون بالحرية الشخصية ما نسمعه منهم من الاستهزاء بالمحجَّبات ووصفهنَّ بالتخلف والرجعية، والسعي لتشويه سُمعتهن أمام الناس مرةً بتصويرهن على أنهن متخلفات لم يكملن دراستهن الجامعية ومرةً باتهامهن بممارسة الفواحش والخيانة الزوجية بالخفاء وإنَّهن يلبسن العباءة للْسَتْر على فضائحهن، كل ذلك سمعتُه وقرأتُه بنفسي، ولا نحتاج إلى جهد لإثباته فمجرد بحث صغير أو جلسة قصيرة مع معادي العباءة ستحصل على دليل صحة كلامي.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat