تقرير الأشعة: المحفظة مصابة بنزفٍ عام !!
زيد الحسن
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
زيد الحسن

لم تعد زيارة الطبيب رحلة للشفاء بقدر ما صارت تجربة استهلاكية بامتياز. بين عروض "ابتسامة هوليود" وفحوصات محفظتك المالية، بات المريض مشروعًا مربحًا ينتظر من يستثمر فيه!
لم أكن أعلم أن زيارتي لطبيب الباطنية ستتحول إلى استشارة اقتصادية، ولا أن سعالتي الخفيفة ستُفسَّر كإشارة لانهيار بورصة صحتي. جلستُ أمامه كأي مواطن مسكين يأمل في "فحص روتيني"، فوجدتُ نفسي فجأة تحت عدسة سونار لا تستهدف كبدي أو مرارتي، بل محفظة نقودي ، كان الطبيب ينظر إليّ لا كما ينظر الراعي إلى غنمه، بل كما ينظر سمسار محترف إلى مشروع واعد:
(هل لديك تأمين؟ )،
هل تُفضل الأشعة الملونة أم ثلاثية الأبعاد؟،
هل تفضل غرفة فاخرة أم نصف فاخرة إن اضطررنا لحجزك؟ ،
شعرت كأنني أحجز رحلة إلى جزر المالديف وليس إلى غرفة الطوارئ!
لم أنتبه حينها لحجم العرض المسرحي، حتى قررت الصدفة أن تلعب دور المخرج، حين آلمني سني الوحيد المتبقي، ذاك الذي يعيش في حنين دائم لإخوته السبعة الذين سقطوا ضحية عقود من الشاي الثقيل والسجائر الرخيصة.
ذهبتُ إلى طبيب الأسنان آملاً بترقيع ما تبقى من فمي المُحاصر، فإذا به يعاملني كمنجم ألماس متنقل. بدأ يحدّق في فكي كأن فيه خريطة لكنوز مغولية، ثم راح يعدد لي عروضاً لا تُقاوَم:
من ابتسامة هوليود إلى قوالب نانسي عجرم، مرورًا بتقويم يصلح لعرائس الإنستغرام.
وكل ذلك وأنا أكرر له أنني متقاعد، بالكاد أملك "سِنًّا" لأبتسم به، ولا قدرة لي على شراء ضوء القمر كي أضعه بين شفتيّ.
قلت له ممازحًا: "دكتور، أريد فقط أن آكل دون أن أبكي!"، فرد عليّ بابتسامة مصطنعة: "نبدأ بزرع أربعة، والباقي بالتقسيط المريح". شعرت لوهلة أنني على وشك التوقيع على قرض لشراء يخت، لا لحشو ضرس.
والحق يُقال، ليس كل الأطباء كذلك، فبعضهم ما زالوا بشرًا من لحمٍ وضمير، يمسحون على قلب المريض قبل أن يطلبوا بطاقته المصرفية. لكن، ويا للحسرة، أصبح هؤلاء هم الاستثناء، كأن الإنسانية أضاعت طريقها في متاهات البزنس.
إن الطب الذي كنا نراه مهنة الرحمة، تحول عند البعض إلى "فن تسويق الأوجاع"، ولا عجب أن ترى مريضًا يدخل العيادة ليعالج زكامًا، ويخرج منها مفلسًا مع خطة علاجية تمتد حتى جيله الثالث.
فيا أيها الأطباء الذين ما زالوا يؤمنون أن المريض إنسان لا زبون، أنتم البقية الباقية في زمنٍ بدأ فيه المشرط يُستخدم لا لفتح الجروح، بل لفتح الحسابات البنكية!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat