سُئِلتُ عن سببِ عدمِ ذِكْري (وسلَّمَ) في عبارةِ الدعاءِ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) ؛ فأَجبتُ:
قال اللٰهُ تعالى: ﴿إِنَّ اللٰهَ وملائِكَتَهُ يُصَلُّونَ علَى النَّبِيِّ يا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا صَلُّوا علَيهِ وسَلِّمُوا تَسليمًا﴾ [الأحزاب/٥٦].
لم يَرِدْ في الآيةِ الكريمةِ (إِنَّ اللٰهَ وملائِكَتَهُ يُصَلُّونَ ويُسلِّمون علَى النَّبِيِّ...) ؛ لذا لا يَصِحُّ - عندي - (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه وسلَّمَ) سواءٌ أَكانَ الفعلُ الماضي (سلَّم) من السلامِ والتحيةِ ؛ لأَنَّه لم يُذكَرِ السلامُ والتحيةُ من اللٰهِ تعالى إِلى النبيِّ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) في هذه الآيةِ تحديدًا ، أَم كان الفعلُ الماضي (سلَّم) من (التسليمِ) بمعنى (الانقيادِ والطاعةِ) ؛ لأَنَّ الانقيادَ والطاعةَ للٰهِ تعالى وحدَه مطلقًا وليس منه لعبدِه.
إِنَّ التسليمَ المقصودَ في هذه الآيةِ هو الانقيادُ والخضوعُ والطاعةُ المطلقةُ منا نحن للرسولِ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) ، وليس من (السلامِ) بمعنى (التحيةِ) فـ(سلِّموا تسليمًا) بمعنى (انقادوا انقيادًا ، واخضَعوا خضوعًا ، وأَطيعوا طاعةً) بمصداقِ قولِه تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمّا قَضَيتَ وَيُسَلِّموا تَسليمًا﴾ [النساء/٦٥].
فما معنى (صلُّوا عليه وحيُّوهُ) ونحن بلا طاعةٍ له ؟!
هل ندعو نحن اللٰهَ للنبيِّ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) بالرحمةِ وهو ما يُذكَرُ لـ(صلُّوا عليه) من تفسيرٍ ، ونُحيِّيهِ بعبارةِ السلامِ ونحن في الواقعِ لا نمتثِلُ - انقيادًا وخضوعًا وطاعةً له - لقولِه تعالى: ﴿...وما آتاكُمُ الرَّسولُ فخُذوهُ وما نَهاكُم عنهُ فانتَهوا واتَّقُوا اللٰهَ إِنَّ اللٰهَ شَديدُ العِقابِ﴾ [الحشر/٧] ؟!
فالصلاةُ من اللٰهِ عزَّ وجلَّ شيءٌ ، ومن ملائكتِه (عليهِمُ السلامُ) شيءٌ ثانٍ. وقد وردت عبارتُها بأُسلوبِ الإِخبارِ اللغويِّ ، والصلاةُ والتسليمُ (لا السلامُ) من (الذينَ آمنُوا) تحديدًا - جعلنا اللٰهُ بتوفيقِه منهم - شيءٌ ثالثٌ. وقد وردت عبارتُهما بأُسلوبِ الأَمرِ وهو من لإِنشاءِ اللغويِّ.
(صلُّوا عليه) من ظاهرِها الأَولِ يُمكِنُ أَن يُرادَ بها (اتَّبِعوا صلاتَه) كنايةً عن تطبيقِ عباداتِه ، ومحاكاةِ سُنَّتِه في العبداتِ الأُخرى كلِّها. (وسلِّموا تسليمًا) من ظاهرِها الأَولِ يُمكِنُ أَنْ يُرادَ بها (انقادوا واخضَعُوا له ، وأَطيعوه) في ميدانِ المعاملاتِ كلِّها بعد الطاعةِ والاتِّباعِ في العباداتِ بمصداقِ قولِه تعالى: ﴿وأَطيعُوا اللٰهَ والرَّسولَ لعلَّكُم تُرحَمونَ﴾ [آل عمران/١٣٢] ولذا تراني لا أَكتبُ (وسلَّم) في نهايةِ عبارةِ الدعاءِ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) بحسبِ فهمي المختصِّ الذي ذكرتُه هنا إِجمالًا.
إِنَّها قراءتي المختصَّةُ التي أَقولُ بها ، وهي ليستِ القولَ الفصْلَ ، وليست بمُلزِمةٍ ، بل هي واحدةٌ من فيوضِ إِيحاءاتِ هذه الآيةِ الكريمةِ التي يستلهِمُ منها العارفونَ ما يقرؤُونه عنها من فيوضٍ أُخَرَ يقولون هم بها. واللٰهُ أَعلمُ.
التعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!