صفحة الكاتب : صلاح عبد المهدي الحلو

عندما تخاطب جاهلا!!!
صلاح عبد المهدي الحلو

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

جاءنا قبل سنينَ إلى محلّ العمل رجلٌ يصحبهُ ابنٌ له صغير، وكان الرجلُ يلعب الكاراتيه، ولربما زاول تدريبها النَّاس بثمن، ورأيتُ الفتى يتجاوزُ على أبيه، إن نطق الأبُ قاطعه الابن، وإن لم يعجب الحديثَ الولدَ ضربَ الوالد، فعجِبتُ من صبره على رحِمِه على ما فيه من قسوةٍ على غيره، فسألتُه: كنتُ أظنُّك صعباً مع عائلتك، حديد الخلق، خشن الطبع، فإذا أنتَ تخفض لهم جناح الذلِّ، وتصبرُ على أذى الفتى، وأنتَ الذي تمارس الضربَ هواية، واللكم والركل مهنة؟
فقال لي: إني أمدُّ لهم من حبل الصبر على قدرِ عبثهم ولًعبِهم، فلا أضيقُ بلهوهم ذرعا، وإني درَّبتُ هذا الفتى على القتال، فلا أحدَ يجرؤ عليه في المدرسة، وقبل أيَّامٍ ضرب ثلاثةً أكبر منه في الشارع!
قلتُ له: ما شاء الله!
قال لي: وثانيةٌ أخرى..
ما هي يا صاحبي؟ هكذا سألته،
:- إنَّ لي ابنتينِ علَّمتهما الفنون القتالية!
قلتُ أحدّثه: رائعٌ، وصرتُ أحدّثُ نفسي: لا ينبغي أن يتزوَّج بهاتين الفتاتين إلَّا كرندايزر، وما زنجر حتى يستطيعا العيش معهما، وإلَّا من ذا الذي يستطيع أن يتزوج المرأة الحديدية، إن شتمها أدْمَتْ له فمه، وإن لطمها كسرت له يده، وإن خالفها لوَتْ له رقَبَتَه؟
هذا الرجلُ اختلف قبل سنين مع مخرج البثِّ في بعض الإذاعات، وما هي إلَّا دقيقة أو أقلَّ منها - وقد صار الخلاف في وجهة النظر لكماً باليد، ونطحاً بالرأس، وركلاً بالقدم – حتى وجد الذين أرادوا فضَّه المخرج على الأرض، والكرسيَّ فوقه، وهذا الرجل فوقهما، ولما أنهضوا المخرج وجدوا قميصه تمزق من كلّ جهاته، حتى يخال لك أنَّه جاء الإذاعة بلا قميص، ولو طال العراك دقيقة، لقيل لك: جاء الإذاعة بلا جسد، ذلك أنَّه سيُقطّعه إرْبَاً إربا.
ولربَّما قيل: مسكينٌ هذا الفتى المغرور، دخلها في الصباح رجلاً، وخرج منها بعد الظهيرة امرأة.
هذا الرجل دخل معي في نقاش، قال لي: لا توجد قصة حقيقيةٌ جرت بين موسى والخضر – عليهما السلام – في القران!
قلتُ له: كيف وقد ذكر القرانُ القصة؟
قال :إنَّها قصةٌ رمزية.
وطال الجدال بيننا والقوم جلوس، وأخذ يحتد شيئاً، ويعلو الصوتُ قليلا، ثم تذكرتُ – وإذا راحت السكرةُ جاءت الفكرة – مع من كنتُ أتناقش، وتخيَّلتُ أن كراسي قاعة الاستعلامات كلها ستكون فوقي وهو فوقها، ويُقال عني بعد ذلك: مسكينٌ هذا الكهل، دخل الإذاعة حين جاء وقوراً، وخرج منها حين ذهب مُهانا.
 فصرتُ أناقشه والقلبُ يرتجف، وخُيّل لي أنَّ برهاني صار مغالطةً من ضعف، ودليلي صار شاهداً عن عجز ، وحقي صار شبهةً عن وهن، ولكن – ولله الحمد – منعني الحياءُ وشيءٌ من كرامة العلم أن يجعلاني ممن ينكص عنه في ميدان المباحثة، ويروغ منه في معترك المساجلة، ففلجتُه والحق يعلو ولا يُعلى عليه.
إنَّ الدخول في النقاشات هذه الأيام محنة، والتواري عنها منحة، ولستُ أتحَّدثُ لك عن النقاشِ مع أناسٍ ممن تسمع وترى، بل أحدّثُك عن نقاشاتٍ مع قومٍ مؤمنين.
آلمني قبل نحو سبع سنين رجلٌ أعتبره بمثابة الأخ الكبير منزلة، والمعلّم الهادي قدرا، تحدَّثتُ معه في رأي بعض الأعلام أنَّ ترحم المعصوم – عليه السلام – على الراوي لا يُعدُّ توثيقا.
فانفعل وغضب وظنَّ أنّي أطعن بعصمة الإمام – عليه السلام – فنزع عني لباس التشيّع،  وخلع عليَّ ثوب الكفر، 
وعلمت من نقاشي معه في هذه المسألة الرجالية أنَّه لا علم له بها ولا اطلاع، لم يبقَ إلَّا أن يطردني من الدار، قلتُ: أخرُجُ من نفسي بكرامتي، ولما وقفتُ وهممتُ بالخروج، قلتُ له: أرجو أن تطالعوا مقدمة معجم رجال الحديث للسيد الخوئي – قدِّس سره – فقد ذكر تحت عنوان ترحم الإمام ما مضمونه: أنه لا يفيد التوثيق؛ لأنَّ الإمام الصادق – عليه السلام – ترحم على السيد الحميري وكان يشرب الخمر، فلعلَّ ترحمه كان لتشيّعه لا لوثاقته.
وكتبتُ منشوراً في أمرٍ ما فعلَّق رجلان تعليقينِ غريبين، فيهما تجاوزٌ مريرٌ على طلبة العلم، وهو من نوع نقاشات هذه الأيام، فحظرتُ أحدهما وألغيتُ صداقة الآخر، وحذفت تعليقاتهما وردودي عليها.
ولعلَّهما ظنَّا أني من طلبة العلم فقالا نشتمه بطريقٍ غير مباشر، نتجاوز على طلبة العلم فيشمله التجاوز،
هما لا يعلمان أني لستُ بطالِب علمٍ ولا كرامة، غايتُه أني رجلٌ أُحبُ الكتابة، فآثرتها على عيني التي صارت في الأيام الأخيرة تدمع وتتأذى بمجرد النظر في شاشة، أو التمعن في كتاب، ولستُ من طلبة العلوم بحق، ولا روَّاد الحلقات بجِد، وليس لي من ظاهرهم النور الذي على جباههم، ولا الصلاح الذي في وجوههم، وليس لي من الناحية المعنوية الجدّ في التحصيل، ولا المثابرة على الطلب، وكيف يكون الترابُ من التبر، والثرى من الثريا؟ حاش لله أن يجعل في سلك خَدَمَتِهِ سيئ العمل، مسلوب التوفيق مثلي.
نعم، انتفض لكرامتهم كرامةً لله وقُربة، فلم أزل أهواهم، وأهوى الذي يهواهم، ومن أحبَّ عمل قومٍ حُشِر معهم، وأسأل الله أن يحشرني معهم، لا أكثر من ذلك ولا أقلّ.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صلاح عبد المهدي الحلو
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/10/14



كتابة تعليق لموضوع : عندما تخاطب جاهلا!!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net