صفحة الكاتب : صلاح عبد المهدي الحلو

القانون الجعفريُّ وحماية الأسرة
صلاح عبد المهدي الحلو

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لا ريب أنَّ أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق؛ ولذا وضعت الشريعة العراقيل الكثيرة المانعة من وقوعه، والعقبات الجمَّة الواقفة في طريقه، ومن ذلك أنَّه شدَّد في ظروف الطلاق، فالزوج الغاضب الذي يخرجه غضبه عن إدراك ما يصنع لا يصحُّ طلاقه.
وأنت لو فتشت لحظات الطلاق لوجدتها وقعت في ساعة غضبٍ يخرج الإنسان عن اتزانه، فهذه عقبةٌ في صحَّة وقوع الطلاق.
ومثال ذلك أن لا يكون الطلاق في طهرٍ واقعها فيه، وهو شرطٌ يصعب حدوثه عادةً، فلو فرضنا أن مدَّة طهر المرأة عشرون يوماً، وأن الزوج غاضبها من أول يومٍ، فعليه أن ينتظر حتى تحيض حيضةً تاليةً حتى يُطلّقها، ونار الغضب قد تخمد في صدر الزوج خلال هذه المدَّة، وقد يندم، ويتراجع عن قرار الطلاق الذي ينوي اتخاذه، وخلال هذه الأيام قد تضغط عليه الحاجة إلى الفراش فيأتي زوجته ويفوّت على نفسه وعلى الأسرة كلّها إيقاع الطلاق، وأحسن به تفويتا.
ومن ذلك أن يقع الطلاق في محضر شاهدين عادلين، والعدالة وإن كانت ذات مراتب متفاوتةٍ ، فعدالة مرجع التقليد غير عدالة إمام الجماعة مثلاً، وهذه غير العدالة المُعتبرة في الشاهد، ووجود الشاهدين العدلين ليس متيسّراً في كلّ وقت لكثرة ابتلاء النّاس بالمعاصي، وفي أثناء بحث الزوج عن الشاهدين العادلين، أو في حالة العجز عن إحضارهما قد يتراجع عن قرار الطلاق، وهذا بخلاف القانونين الوضعي والعامّي "نسبةً لفقه العامّة" فإنَّه يقع بمجرد تلفظ الزوج بصيغة الطلاق.
أضف إلى ذلك أنَّ بعض الرجال يكره أن يعلم غيره بما يدور في بيته، ولعلَّ وجود الرجلين للشهادة على وقوع الطلاق يُسبّب له حرجاً اجتماعياً فيتراجع عنه.
ومن ذلك عليه أن لا يُخرج الرجلُ زوجته من البيت في أثناء العدّة، ويجب أن لا تخرج هي من البيت أيضاً؛ لقوله تعالى "َيا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ"
وخلال فترة العدَّة، والمرأة في بيت زوجها وحين ينظر الرجل إلى انكسار المرأة التي طلَّقها، وحزنها وألمها، قد يُحرك ذلك الحزن وتراً في قلبه، ويثير هذا الألم عاطفةً في شعوره فيُراجعها.
وينبغي لها أن تتزيَّن وتضع الأصباغ في أشهر العدَّة، وهو حين يرى أمامه امرأةً متزينةً قد يثيره ذلك فيأتيها، وبمجرَّد إتيانها بقصد الرجوع تنتفي العدَّة وتكون زوجته حقيقةً لا أنَّها بحكم الزوجة، فيعود للدّار سلامها، ويؤوب للأسرة وئامها.
وذلك معنى قوله تعالى: "َلَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا" فعن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسيرها : " المطلَّقة [يعني الرجعيَّة] تكتحل وتختضب وتطيّب وتلبس ما شاءت من الثياب؛ لأنّ اللَّه (عزّ وجلّ) يقول: " لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً"
وهو رغبةُ الرجل فيها.
ومن ذلك أن يكون الطلاق الثلاث واحدةً، فعند غيرنا لو قال الرجل لزوجته: أنت طالقٌ ثلاثاً، حرمت عليه مؤبَّداً إلَّا أن تنكح زوجاً غيره، وفي الفقه الجعفريّ لو قال لها أنت طالقٌ بعدد نجوم السماء لما كان ذلك إلَّا طلقةً واحدة، وبالتالي هناك فرصةٌ للندم، والرجوع بعد البعاد.
وعند غيرنا يقع الطلاق بالكتابة، وعندنا – نحن الشيعة – لا يكون إلَّا باللفظ، وبحضور شاهدين عادلين، وببعض الشروط التي مرَّ ذكرها، وتلك كلُّها عقباتٌ تقع في طريقه، ويأتيك ذو الرأس الخشبي ليقول لك: القانون الجعفريّ يظلم المرأة!!!

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صلاح عبد المهدي الحلو
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/09/08



كتابة تعليق لموضوع : القانون الجعفريُّ وحماية الأسرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net