صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

نبذ الاشاعة في القرآن الكريم (ح 4)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عن شبكة المعارف الاسلامية الثقافية الشائعات وآثارها السلبية: منهجية القرآن في التعاطي مع الشائعات: يقول الله تعالى في كتابه الكريم مبيناً خطورة الشائعة: "إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ" (النور 11). تبيّن الآية الكريمة كيف ابتلي جماعة بهذا الذنب العظيم نتيجة تساهلهم، فتقول "إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ" (النور 11) أي تذكروا كيف رحبتم بهذه التهمة الباطلة فتناقلتموها "وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ" (النور 11). وتشير هذه الآية إلى ثلاثة أنواع من ذنوبهم العظيمة في هذا المجال: الأول: تقبّل الشائعة: استقبالها وتناقلها. الثاني: نشر الشائعة دون أي تحقيق أو علم بصدقها. الثالث: استصغار الشائعة واعتبارها وسيلة للّهو وقضاء الوقت، في وقت تمسّ فيه كيان المجتمع الإسلامي وشرفه، إضافة إلى مساسها بشرف بعض المسلمين. وممّا يلفت النظر أنّ الآية استعملت تعبير "بِأَلْسِنَتِكُمْ" تارة وتارة أخرى تعبير "بِأَفْوَاهِكُم" على الرغم من أن جميع الكلام يصدر عن طريق الفم واللسان. وهو إشارة إلى أنّكم لم تطلبوا الدليل على الكلام الذي تقبّلتموه، ولا تملكون دليلاً يسوّغ لكم نشره. والأمر الوحيد الذي كان بأيديكم هو لقلقة لسانكم وحركات أفواهكم. والقرآن الكريم قد رسم لنا منهجاً واضحاً وفريداً في التعامل مع مرض الشائعات يتمثّل في جملة من الآداب عند وجود الإشاعة. وعندما نستقرئ آيات القرآن التي تحدّثت عن المواجهة الإعلامية، وأسلوب التعامل مع الدعاية المضادة والشائعات، نجد القرآن قد ركّز على أساليب أساسية عديدة، منطلقاً من أسس نفسيّة وموضوعيّة بالغة الأهميّة، لتكوين الدوافع وكسب الاستجابة والمواقف. وأهم هذه الأسس والآداب هي: الأساس الأول: التثبّت والتبيّن عند سماع الأخبار: استخدم القرآن الكريم ثلاث مفردات وهي: (اليقظة والتبيّن والحذر)، والمطلوب من المجتمع الإسلاميّ أن يتّسم بهذه المفردات الثلاثة، وهذا هو ما يعبّر عنه بمصطلح اليوم بـ (الوعي). وعندها يمكن أن نصف هذه الأُمّة أو تلك الجماعة بالأُمّة أو الجماعة الواعية، والعكس صحيح. ويتمثّل بثّ الوعي في المجتمع الإسلاميّ من خلال الإجراءات العلمية والعملية الآتية: 1- التبيّن: أرسى القرآن قاعدة منهجية أساسية في التعاطي مع الأخبار وهي التبيّن، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" (الحجرات 6). تتحدّث هذه الآية عن أهمّ مسألة مؤثّرة في بنية المجتمع وهي تلقّي الأفراد للأنباء والأخبار وتناقلها فيما بينهم. وتؤكّد الآية الكريمة على ضرورة أخذ الأنباء من مصادرها الموثوق بها. وأمّا إذا كانت ممّن اشتهر وعرف بالفسق والكذب والنفاق، أو لم تكن ممّن يوثق به، فلا يمكن الركون إليه والأخذ منه. لذا ينبغي الاستقصاء عند نقل الخبر والتدقيق في مصدره, وإمكانيَّة نقله أو لا. ومعنى التبيّن، يبدو أنّه يشمل كلّ أسلوب يؤدّي إلى حالة الوضوح عند الإنسان. ومن الأمور التي تعين على هذا الأدب التروّي وعدم العجلة في نقل الأخبار. وبعبارة أوضح ينبغي عدم العجلة والتسرّع في نقل الأخبار، لخطورة ما يمكن أن تحدثه كلمة واحدة غير صحيحة في العقول والنفوس. لذا عند نقلنا للأخبار علينا التبيّن جيّداً.

جاء في موقع الالوكة الشرعية عن الإشاعة للدكتور عبدالله بن محمد الطيار: والذين يجتهدون في ترويج الإشاعة الغالبُ عليهم أنهم يقصدون: إما النُّصح، بمعنى: أنه يُردِّدها لنُصح صاحب الشأن، والدفاع عنه. وإما الشماتة، وهذا على النقيض مِن السابق يكُون قصْد صاحب الإشاعة أن يشمت بمن يتحدَّث عنه، وإما الفضول وهذا غالبُ حالة الناس، فبعضُهم يحبُّ أن يَسمع الناسُ منه، ويُصغُوا إلى حديثه، وأحيانًا يَزيد فيها وينقص، ويجعل فيها منعطفات كثيرة، ليلفِت نظرَ الناس إليه، وإما قطْع الفراغ، ومَلْء الأوقات، فإذا أُشِيع خبرٌ ما، ترى كثيرًا من الناس يُشارك وهو لا يَعلم شيئًا، وإنما لئلا يَفهم الناسُ أنه لم يَعلم بالخبر، فيزيد فيه وينقص، ولا يهمُّه ما يترتب على هذا الأمر إطلاقًا، ومِن أبرز المصادر للإشاعة أن تكون: خبرًا من شخص، أو خبرًا من جريدة، أو خبرًا من مجلة، أو خبرًا من إذاعة، أو من تلفاز، أو رسالة خطية، أو شريطًا مسجَّلًا، والإشاعة تَكثُر في المجتمع الذي يَغلُب عليه الجهل، وتقلُّ في الوسط الثقافي، وتَقْوَى في مجتمع النساء، وتقلُّ عند العاقلات منهنَّ. إنَّ ما يسمعه المرءُ أحيانًا مِن إشاعة يجعله يكذِّبه لأول وهلة، لأن آثار الوضْع بادية عليه، ولكن مع ذلك ينبغي التثبُّت والتروِّي، فإنْ كان الكلام مِن فضة، فالسكوت مِن ذهب، وصدق مَن قال. وقال تعالى: "وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ" (الانفطار 10). وقال تعالى: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" (ق 18). وقال تعالى: "وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ" (البقرة 235). وقال تعالى: "يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ" (غافر 19). ويقوله تعالى: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا" (النساء 83). وهذا تأديبٌ مِن الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وأنه يَنبغي لهم إذا جاءهم أمرٌ مِن الأمور المهمَّة والمصالح العامَّة مما يتعلَّق بالأمْن وسُرور المؤمنين، أو الخوف الذي فيه مُصيبة، عليهم أنْ يثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يَرُدُّونه إلى الرسول، وإلى أولي الأمر منهم الذين يَعرفون الأمور، ويَعرفون المصالح، وما يُضادُّها مِن المضارِّ، فإنْ رأوا في إذاعته مصلحةً ونشاطًا للمجتمع، وسُرورًا لهم، وكيدًا لأعدائهم نشروه، وإن لم يكن فيه ذلك، بل فيه ضرر على المؤمنين، فإنهم يتركونه، فكم نحن بحاجة إلى الوقوف مع أنفُسنا، والتثبُّت مما يُنقَل عنَّا ولنا، وكم نحن محاسَبون على ما يَصدُر عن جوارحنا، فهل نَعِي ذلك ونحاسِب أنفسَنا قبْل أن تُحاسَب، أرجو ذلك وأتمنَّاه.

جاء في موقع هيئة علماء فلسطين عن احذروا الشائعات للكاتب صلاح نجيب الدق: الفرق بين الدِّعاية والإشاعة: الدعاية: عملية منظَّمة، هدفها التأثير في الرأي العام، ولم تظهر الدعاية إلا في أواخر القرن العشرين، بينما ظهرت الإشاعة منذ زمنٍ قديم، تكونت الإشاعة تبعًا لتوافر مجال العمل الملائم لها، وهو الجمهور، الدعاية عكس الإشاعة، فالدعاية تهدف إلى الخير، وأما الإشاعة فغالبًا ما تهدف إلى الشر، (أساليب مواجهة الشائعات – أكاديمية نايف العربية صـ 21: 20). مصادر الشائعات: غالبًا ما يكون أساس الشائعات أحد المصادر الآتية: (1) خبر من شخص. (2) خبر من جريدة. (3) خبر من مجلة. (4) خبر من إذاعة. (5) خبر من تلفاز. (6) خبر من رسالة خطية. (7) خبر من شريط مسجل. (8) خبر من شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، (إسهامات معلم التربية الإسلامية – لحسين عقيل صـ: 36). أنواع الشائعات: تختلف الإشاعة بحسب اختلاف الشخص المنقول عنه، فتارة تكون الشائعة مدحًا، وتارة تكون ذمًّا، وتارة تكون خليطًا بين النوعين، وتارة تكون غريبة في سياق أحداثها، حتى تكون في عداد المستحيلات، لكن تلقُّف الناس وتناقلهم لها جعل المستحيل أمرًا ممكن الوقوع، (أخي، احذر الإشاعة – لعبدالعزيز السدحان صـ 9). خصائص الشائعات: يمكن أن نوجز خصائص الإشاعات في الأمور التالية: (1) الإشاعة هي عملية نشر المعلومات، ونتائج هذه العملية. (2) من السهل أن تنطلق الشائعات، وليس من السهل أن تتوقف، فالإشاعة تسير بسرعة انتشار النار في الهشيم، بل تسير بسرعة الصوت والضوء، عن طريق الأقمار الصناعية في الوقت الحاضر. (3) قد تكون الإشاعة صادقة، أي: تحتوي المعلومات الواردة في الإشاعة على نواة الحقيقة. ومثال ذلك: إشاعة حول زيادة رواتب الموظَّفين، واستقالة مسؤول، وارتفاع أسعار بعض المواد الاستهلاكية، التي يحتاجها الناس في حياتهم اليومية، أو النصر أو الهزيمة في بعض المعارك الحربية، وقد تتحقق في بعض الأوقات. (4) قد تكون الإشاعة كاذبة، أو قد ترتكز على معلومات غير مؤكدة، أو عارية من الصحة. (5) قد تكون الإشاعة صادقة وكاذبة في نفس الوقت، مثل ما تقوم به بعض الحكومات من تسريب أسماء محتملة وغير محتملة لشغل منصب معيَّن، وذلك بهدف معرفة مدى قبول الناس لهذه الشخصيات، فالجانب الصادق في هذه الإشاعة هو وجود شخصيات محتملة فعلًا لشغل هذا المنصب، والجانب الكاذب هو وجود شخصيات غير محتملة لهذا المنصب، (أساليب مواجهة الشائعات – أكاديمية نايف العربية صـ 19: 18).

أسباب ترويج الشائعات: مروِّجُ الشائعة لا يخلو مراده من مقاصد عدة: (1) تحقيق منفعةٍ للمشاع عنه: ترديد الناس للإشاعة قد يكون بدافع الحرص على تحقيق فائدة للشخص أو للشيء المشاع عنه. (2) الكراهية والانتقام من المشاع عنه: قد يكون الدافع والمحرك لنشر الإشاعة وترويجها بين الناس إنما هو الكراهية من المشاع عنه، أو الانتقام منه بسبب شيء معين. (3) الفضول: الفضول من أسباب ترويج الإشاعات، وهذا حال أغلب المروِّجين للإشاعات، فإن إصغاء السامعين لحديثه وإشخاصَهم بإبصارهم إليه وتشوُّقَهم لسماع كل ما يقول – دافعٌ مِن أعظم الدوافع لنقل الإشاعة، هذا إن سلم من الزيادة في الكلام بهدف تشويق السامعين وتعلقهم بما يقول. (4) قضاء الأوقات بذكر الشائعات: من المعلوم المشاهَد: أن كل الحاضرين أو أغلبهم في المجلس يريد أن يشارك في الكلام والنقاش، ويرى السكوت نقصًا في حقه، فتراه يذكر هذه الإشاعة بقصد المشاركة في الحديث، بغضِّ النظر عما يترتب عليه من نقل هذه الإشاعة. عوامل انتشار الشائعات: (1) أهمية الموضوع عند الناقل والمنقول إليه، وهما أساس رواج الشائعات. (2) درجة الوضوح أو الغموض المحيط بموضوع الإشاعة ذاتها، وتكون العلاقة طردية، إذا ارتفعت درجة الموضوع من الوضوح مع أهميته، كما تكون عكسية كلما ارتفع مستوى أحد العاملين وانخفض الآخر. (3) مدى التطابق بين موضوع الشائعة والاهتمام الفكري أو العاطفي للأفراد والجماعات، فالرجال أكثر تصديقًا لشائعات الغَلاء، والنساء أكثر تجاوبًا مع ما يذاع عن الأزياء، وقِسْ على ذلك فئات المجتمع من عمَّال وموظفين وتجار وحرفيين وأدباء وغيرهم. (4) مقدار الثقة بالناقلين تبعًا للصداقة والتآلف معهم، فالنتيجة طردية في المودة، وعكسية في الكراهية، (الإعلام الإسلامي للدكتور محمد محمود كالو صـ 11).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/09/08



كتابة تعليق لموضوع : نبذ الاشاعة في القرآن الكريم (ح 4)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net