صفحة الكاتب : محمد السمناوي

الموضوع الجامع لوجوب صلاة الآيات: دراسة فقهيّة موجزة في ضوء روايات الخسوف والكسوف
محمد السمناوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إن المتتبع لأخبار أهل البيت (عليهم السلام) في باب صلاة الآيات يجد أن الروايات الواردة في المقام قد اختلفت في ظاهرها في تحديد الموضوع الذي يترتب عليه وجوب هذه الصلاة. فمن الروايات ما أخذ عنوان الكسوف والخسوف كسبب وموضوع للوجوب، ومنها ما أخذ عنواناً أوسع وأشمل هو "الآية الإلهية". وإنما الكلام في أن هل وجوب الصلاة هو لأجل عنوان الكسوف والخسوف بذاته، أم أن هذا الوجوب هو لأجل طبيعة جامعة موجودة في الكسوف والخسوف، بحيث تكون تلك الطبيعة هي الموضوع الحقيقي للوجوب؟ وهذا البحث له تأثير بالغ في تحديد وجوب الصلاة على بقية الأسباب التي لم ينص عليها في بعض الروايات، كالزلزلة وغيرها.

ولقد تم التتبع للروايات الواردة في المقام وتبين أن لسان بعضها قد أخذ خصوص الكسوف كموضوع للوجوب، كما هو الحال في:

1- صحيحة جميل بن دراج، والتي جاء في سندها " محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وقت صلاة الكسوف (إلى أن قال:) وهي فريضة ". 1

2- معتبرة أبي أسامة، والتي جاء في سندها، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن عبد الحميد، عن أبي جميلة عن أبي أسامة، عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) قال: "صلاة الكسوف فريضة". 2

لكن في المقابل، توجد روايات أخرى تفيد أن موضوع الوجوب هو الأعم، وهو ما يُعبّر عنه بـ "الآية الإلهية". وفي هذا السياق، تبرز:

1- معتبرة الفضل بن شاذان حيث ورد في العلل التي ذكرها الفضل بن شاذان رحمه الله عن الرضا (عليه السلام) قال: " وإنما جعلت للكسوف صلاة لأنه من آيات الله تبارك وتعالى، لا يدري الرحمة ظهرت أم لعذاب، فأحب النبي صلى الله عليه وآله أن تفزع أمته إلى خالقها وراحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرها ويقيهم مكروهها، كما صرف عن قوم يونس عليه السلام حين تضرعوا إلى الله عز وجل، وإنما جعلت عشر ركعات لان أصل الصلاة التي نزل فرضها".3

2- رواية محمد بن علي بن الحسين قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله):" إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان بتقديره وينتهيان إلى أمره، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياة أحد، فإن انكسف أحدهما فبادروا إلى مساجدكم".4

3- رواية علي بن الحسين (عليه السلام): " قال سيد العابدين عليه السلام وذكر علة كسوف الشمس والقمر ثم قال: أما إنه لا يفزع للآيتين ولا يرهب لهما إلا من كان من شيعتنا، فإذا كان ذلك منهما فافزعوا إلى الله عز وجل وراجعوه ". 5

هذه الروايات صريحة في أن موضوع الوجوب ليس خصوص الكسوف، بل هو "الآية الإلهية" التي يمثل الكسوف مصداقاً لها، وهذا المعنى يتسق مع أن الأصل في التشريع هو أن يكون قائماً على طبيعة عامة جامعة لا على مصاديق متباينة، ومن هنا، يسهل علينا القول بوجوب صلاة الآيات عند حدوث الزلزلة، حتى وإن لم يحصل خوفٌ من وقوعها، لأنها تُعدّ من الآيات التي تخل بنظام الطبيعة، ويُتوقع أن تكون نقمة إلهية.

إذًا، فالخلاصة التي نخلص إليها في هذا البحث الموجز هي أن موضوع وجوب صلاة الآيات ليس مقتصراً على كسوف الشمس وخسوف القمر، بل هو الأعم الذي يُعبّر عنه بالآية الإلهية، والتي يمثل الكسوف والخسوف والزلزلة مصاديقها، مما يوسع دائرة الوجوب لتشمل كل تغيير مفصلي في نظام الطبيعة يحمل دلالة الإنذار الإلهي، ويؤكده ما جاء في:

صحيح الفضلاء عن كليهما (عليهما السلام) عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن رهط عن كليهما عليهما السلام، ومنهم من رواه عن أحدهما عليهما السلام :" ان صلاة كسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات وأربع سجدات صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله والناس خلفه في كسوف الشمس ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها، ورووا ان الصلاة في هذه الآيات كلها سواء وأشدها وأطولها كسوف الشمس تبدأ فتكبر بافتتاح الصلاة ثم تقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الثانية، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الثالثة، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الرابعة، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة، ثم تركع الخامسة فإذا رفعت رأسك قلت سمع الله لمن حمده ثم تخر ساجدا فتسجد سجدتين، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الأولى، قال قلت: وإن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات ففرقها بينها؟ فقال: "أجزأه أم الكتاب في أول مرة وان قرأ خمس سور قرأ مع كل سورة أم الكتاب، والقنوت في الركعة الثانية قبل الركوع إذا فرغت من القراءة ثم تقنت في الرابعة مثل ذلك ثم في السادسة ثم في الثامنة ثم في العاشرة، والرهط الذين رووه الفضيل وزرارة وبريد ومحمد بن مسلم". 6

المصادر:

[1] الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، الباب 3 من أبواب صلاة الآيات، ح1، طبعة آل البيت(عليهم السلام)، ج7، ص483.

[2] الحر العاملي، مصدر سابق، ح8، ج7، ص485.

[3] الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، من لا يحضره الفقيه، تحقيق: علي أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المشرفة، ط2، ح1510، ج1، ص541.

[4] الحر العاملي، مصدر سابق، باب استحباب صلاة الكسوف في المساجد، ح2، ج5، ص148.

[5] الحر العاملي، مصدر سابق، ج7، ص474.

[6] الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الاحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد رضوان الله عليه، تحقيق: حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامي، طهران، 1365 ح5، ج3، ص155.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد السمناوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/09/08


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • من فاجعة الطف إلى الذاكرة الجمعيّة: الأثر الممتد لجريمة تقوير رأس الإمام الحسين (عليه السلام) على مرتكبيها وذرياتهم "دراسة تاريخيّة تحليليّة"  (المقالات)

    • المعادلة الإيمانيّة في فكر الإمام الصادق (عليه السلام): دراسة تحليليّة موجزة لثلاثيّة (الدعاء، الشكر، التوكل)  (المقالات)

    • اغتيال الأنبياء والمرسلين: ظاهرة تاريخية وتحقيق موجز في استشهاد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)  (المقالات)

    • زيد الشهيد (عليه السلام): دراسة تحليليّة موجزة في الشخصيّة والثورة والمآل  (المقالات)

    • رفع الحسين دمه دعاءً واستنصاراً: رواية شاهد عيان في تاريخ مدينة دمشق  (المقالات)



كتابة تعليق لموضوع : الموضوع الجامع لوجوب صلاة الآيات: دراسة فقهيّة موجزة في ضوء روايات الخسوف والكسوف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net