صفحة الكاتب : محمد النصراوي

إشكالية الديمقراطية في العراق.. التحديات والمرتكزات
محمد النصراوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

‏كيف يمكن لديمقراطيةٍ وليدة أن تشق طريقها وسط عواصف الانقسام والتجاذبات؟ سؤال يفرض نفسه كلما تأملنا التجربة العراقية الحديثة، التي وإن جاءت بعد عقودٍ من الاستبداد، إلا أنها لم تزل تعيش امتحاناً يومياً في مواجهة أزماتٍ تهدد كيانها ومحتواها.

‏أولى هذه الإشكاليات تكمن في التناقض بين التعددية السياسية التي يُفترض أنها مصدر غنىً وتنوع، وبين الوحدة الوطنية التي يجب أن تبقى السور الحامي للجميع، فبدل أن تتحول التعددية إلى منبعٍ للإثراء، كثيراً ما تتحول إلى ساحةٍ للاستقطاب، مما يجعل سؤال التوازن بين التنوع والتماسك الوطني سؤالاً معلقاً بلا جواب.

‏ثم تأتي معضلةٌ أخرى أكثر تعقيداً، التشريع والتمثيل في مجتمعٍ متعدد الهويات، ففي العراق، حيث التباينات القومية والمذهبية والدينية، يصعب دوماً ترجمة إرادة الشعب إلى قوانين عادلةٍ تُرضي الجميع، وقد رأينا هذا مراراً في أزمات تشكيل الحكومات، وتعثر إقرار تشريعاتٍ حيوية بسبب تقاطع الإرادات السياسية.

‏لكن التحديات لا تتوقف هنا، إذ تبرز محاولاتٌ منظمة لإفراغ الديمقراطية من مضمونها الحقيقي عبر الفساد والمحاصصة، فتحولت العملية السياسية في كثيرٍ من الأحيان إلى طقوسٍ شكليةٍ بلا جوهر، يضاف إلى ذلك ضعف الأداء المؤسسي وسوء الإدارة وغياب الشفافية، وكلها عوامل تستنزف الموارد وتفتت ثقة الناس بالدولة، أما التدخلات الخارجية، سواءٌ الإقليمية أو الدولية، فتظل الحاضر الغائب الذي يؤثر في القرار الوطني، ويضعه في كثيرٍ من الأحيان على غير مساره الطبيعي.

‏ولكي تقف الديمقراطية العراقية على أرضٍ صلبة، فهي بحاجةٍ إلى أن تستمد شرعيتها السياسية من انتخاباتٍ نزيهةٍ صافية تعكس الإرادة الحقيقية للناس بعيداً عن التزوير أو الترهيب، وأن تُرسخ في الوقت نفسه مفهوم المواطنة الفاعلة التي تجعل الفرد شريكاً في القرار، وولاءه للوطن يتقدم على كل الانتماءات الضيقة، وأن تُبنى فوق ذلك مؤسساتٌ رصينة تقوم على الشفافية والكفاءة وتضمن الفصل بين السلطات وتكافؤ الفرص، فلا يشعر أي مواطن بالغبن بسبب موقعه أو انتمائه.

‏من دون هذه الركائز ستبقى الديمقراطية هشةً وعرضةً للتشويه، وربما تتحول إلى أداةٍ لمكاسب ضيقةٍ بدل أن تكون ضمانةً لكرامة الإنسان، ومع كل ما يحيط بها من عراقيل، فإن الخيار الديمقراطي يظل المسار الأوحد لبناء عراق الغد، ديمقراطيةٌ لا تُختزل في صناديق اقتراع، بل تُترجم إلى عدالةٍ في توزيع الفرص، وإلى مؤسسات تحمي الحقوق، وإلى وطنٍ يجد فيه المواطن كرامته وموطئ أملٍ لحياته، فتغدو الديمقراطية في النهاية مرادفاً للحياة الكريمة قبل أن تكون مرادفاً للحكم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد النصراوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/09/20



كتابة تعليق لموضوع : إشكالية الديمقراطية في العراق.. التحديات والمرتكزات
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net