آيات قرآنية في كتاب أسرار الصلاة للشيخ جوادي الآملي (ح 1)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

جاء في کتاب أسرار الصلاة للشيخ جوادي الآملي: أن الصلاة كغيرها من العبادات ممّا بيّنه القرآن الحكيم، وكلّ ما بيّنه القرآن فله تأويل كما له تفسير، وله باطن كما له ظاهر، ولا بدّ أن يكون التأويل ملائما للتفسير، والباطن موافقا للظاهر. والتأويل إنّما هو: أمر عينيّ لا ذهنيّ، ومصداق خارجيّ لا مفهوم نفسيّ، وسيظهر ذلك التأويل يوم تبلى السرائر، كما قال سبحانه "هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَه ُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُه ُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوه ُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ" (الأعراف 53). والذي أنتجه هذا القياس الاقترانيّ المسوق على الشكل الأوّل البديهيّ الإنتاج هو: أنّ للصلاة تأويلا يأتي ذلك التأويل يوم القيامة، وحيث إنّ للظاهر بطونا متراقية بعضها فوق بعض فللصلاة بطون وتأويلات متدارجة بعضها فوق بعض، فينطبق على ما نظر إليه البرهان، وأبصره العرفان. وممّا يدلّ أيضا على أنّ للصلاة كغيرها من العبادات سرّا هو: أنّها من الموجودات المعدودة جزءا من السماوات والأرض، أي: النظام العينيّ، وكلّ موجود هو جزء من النظام العينيّ العامّ فله غيب، كما أنّ له شهادة. وقال سبحانه: "وَلِلَّه ِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْه ِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّه " (الحجر 21)، وليس المراد هو خصوص ما غاب عنهما، بل يشمل غيبتهما أيضا. والذي أنتجه هذا القياس أيضا هو: أنّ للصلاة غيبا كما أنّ لها شهادة، وحيث إنّ للظاهر بطونا وكلّ باطن فهو غيب للظاهر فللصلاة غيوب متراقية بعضها فوق بعض، فينطبق على ما تقدّم من معقول البرهان ومشهود العرفان. وممّا يدلّ أيضا على أنّ للصلاة ولغيرها سرّا بالتقريب المتقدّم قوله سبحانه: "وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُه ُ وَما نُنَزِّلُه ُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ" (هود 123)، وقوله سبحانه: "وَلِلَّه ِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ" (المنافقون 7) ؛ وذلك لأنّ الصلاة شيء خارجيّ على ما يأتي، فهي ممّا له خزينة، بل خزائن ؛ لأنّ ظاهر الآية هو: أنّ لكلّ شيء خزائن، لا أنّ لمجموع الأشياء خزائن حتّى يكون من باب وقوع المجموع قبال المجموع الآخر، فعليه يكون لكلّ موجود طبيعيّ خزائن بعضها فوق بعض، فينطبق على تعدّد العوالم حسبما قرّر. وحيث إنّ القرآن الحاوي للصلاة وغيرها أيضا شيء خارجيّ في عالم الطبيعة فله بما فيه من المضامين خزائن إلهيّة، قد تنزّل القرآن من تلك الخزائن الطوليّة، كما أنّ الصلاة وغيرها معدودة من النظام الكيانيّ المعبّر عنه بالسماوات والأرض فلها أيضا خزائن، إذ للسماوات والأرض خزائن، ولمّا كانت تلك الخزائن عند الله سبحانه "وَما عِنْدَ ا للهِ باقٍ" وما عند غيره فان كما قال سبحانه "ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ ا للهِ باق" (النحل 96) فأسرار السماوات والأرض الَّتي منها الصلاة موجودات خارجيّة مصونة عن النفاد، ولا تنال إلَّا بالصعود إليها بعد هجران النافد الزائل، إذ لا يمكن الوصول إلى الباقي إلَّا بعد هجرة الفاني ؛ لأنّه حجاب لا محيص عن تركه.
وعن سر الصلاة يقول الشيخ جوادي ألاملي حفظه الله: وممّا يدلّ أيضا على أنّ للصلاة كغيرها سرّا قوله تعالى "فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِه ِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ " (الأنعام 75) لدلالته على أنّ لكلّ شيء ملكوتا يلائمه التسبيح، بخلاف الملك الذي يناسبه التبارك كما قال تعالى "تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِه ِ الْمُلْكُ"، حيث إنّ التبارك من الأسماء التشبيهيّة، والسبحان من الأسماء التنزيهيّة. ولمّا كان لكلّ شيء ملكوت وهي أمر وراء الملك، ومن شاهدها كان من أصحاب اليقين كما قال تعالى في إبراهيم عليه السّلام "وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ" (يس 83) فللصلاة أيضا ملكوت تكون هي سرّها، وتلك الملكوت ثابتة، لأنّها بيد الله تعالى لا بيد المصلَّي، ولا تنال تلك الملكوت السرّيّة إلَّا بعد السفر من الملك. ولعلّ قوله تعالى "قُلْ أَنْزَلَه ُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ" (الفرقان 6) تلميح إلى بعض ما مرّ، وذلك لأنّ وصف الله الذي أنزل القرآن بأنّه عالم السرّ يشعر بأنّ للقرآن المشتمل على ما فيه من المعارف والأخلاق والأحكام سرّا فلجميع ما فيه أيضا أسرار. نعم، فرق بين أن يقال: إنّه عالم سرّ السماوات والأرض، وأن يقال: هو عالم السرّ فيهما، إذ الأوّل دالّ على أنّ لهما سرّا دون الثاني، ولكنّ وصف الباري المنزل للقرآن بأنّه عالم السرّ يشعر بأنّ للقرآن سرّا، وإن كان فيما مضى غنى وكفاية.
وعن سر الوضوء يقول آية الله الشيخ الآملي: أنّ سرّ الوضوء هو الطهارة الكبرى عن أيّ رجس كما قال الله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (المائدة 6) ورجز، فعلى المتوضّئ أن يتطهّر عن كلّ ما ورد فيه أنّه نجس أو رجز أو قذارة ورين ودنس، نحو: الشرك الذي هو الظلم العظيم والرجس الكبير، حيث قال سبحانه: "إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" (لقمان 13)، وقال تعالى "إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ" (التوبة 28)، وقد قال أيضا "وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ" (يوسف 106)، يعني: أنّ أكثر المؤمنين مشركون، فأكثرهم نجس بالقذارة الباطنة وإن كانوا طاهرين ظاهرا، وذلك لأنّ مشاهدة غير الله تعالى والاعتماد على غيره والثقة بغيره والاستناد إلى غيره في شيء من الأقوال والأفعال والأحوال شرك في الباطن، مخالف للتوحيد الخالص، فعلى المتوضئ أن يتطهّر من ذلك الرجس الباطنيّ أيضا حتّى يصير موحّدا خالصا صالحا لأن يناجي ربّه، لكي يناجيه ربّه، وهذا المتطهّر مؤمن لا ينجّسه شيء، كما في المحاسن عن أبي جعفر عليه السّلام. ولمّا كانت المعاصي والذنوب متفاوتة لأنّ بعضها أقذر من بعض، وكانت الطهارات متمايزة لأنّ بعضها أطهر من بعض كانت الملائكة الَّتي يخلقها الله من كلّ قطرة من الوضوء الخالص أو يمثّلها بصورها أي: بصور الملائكة متفاضلة، بأن يكون بعضها أفضل وأرفع من بعض، لأنّهم ليسوا سواء كما ورد فيهم "وَما مِنَّا إِلَّا لَه ُ مَقامٌ مَعْلُومٌ" (الصافات 164) فمن كانت طهارته أتمّ كانت الملائكة الَّتي تتمثّل تلك الطهارة بصورتها أكمل، وهكذا.
وعن الطهارة المائية والترابية يقول الشيخ الآملي حفظه الله في كتابه: ولمّا اتّضح سرّ الطهارة المائيّة وهكذا حكمتها يتبيّن لك الأمر في الطهارة الترابيّة، وأنّ أقصاها التذلَّل لدى العزّة المحضة، والتخضّع في ساحة الكبرياء الصرف، والتخشّع عند القدرة المطلقة، نحو ما ورد في حكمة تروك الإحرام من رجحان كون الحاجّ والمعتمر أشعث وأغبر، ولذا قال الله تعالى في حكمة الطهارة الترابيّة كالمائيّة "ما يُرِيدُ ا للهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَه ُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (المائدة 6)، إذ الطهارة الظاهريّة الحاصلة بالماء المذهب رجز الشيطان حسبما في قوله تعالى: "وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِه ِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ" (الأنفال 11) وإن لم تحصل بالتراب ولكنّ التذلَّل العبوديّ يحصل به كما يحصل بالماء، فالتراب والماء من هذا الحيث سواء.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat