صفحة الكاتب : د . رعد هادي جبارة

كلمات الله لا تُحصى، وكلمات القرآن معدودة
د . رعد هادي جبارة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

🔗خصوصية المفردة القرآنية – 41

﷽{قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}

(الكهف: 109)

 

-كلمات الله وكلمات القرآن:

بين اللاتناهي والعدد

■المقدمة:

بعد بحثنا السابق بعنوان «أقلام الأشجار ومداد البحار... ولن تنفد كلمات الجبار»؛راجعتُ الموقع الكبير الرائع

[التفاسير العظيمة]

الذي يضم (91) تفسيرًا للقرآن و(25) كتابًا في علوم القرآن.

كما راجعت موقعًا ممتازًا واسعًا هو

[الباحث القرآني]

ويضم 41 من تفاسير أهل السنة، فضلًا عن موقع [سيكر عربية للعلوم الشرعية]، وكذلك ويكيبيديا العربية،وغيره.

وقد دققت في معظم محتوياتها، فكلفني ذلك جهدًا جهيدًا ووقتًا طويلًا وتدقيقًا مضنيًا أتعب ناظريَّ كثيرًا على مدى ليالٍ وأيام.

 

■تساؤل مُلح:

تساءلت مع نفسي:

ماذا تعني «كلمات ربي»؟

هل هي كلمات القرآن الكريم؟ وهل كلماته لا متناهية وغير محدودة العدد؟

إن كلمات القرآن الكريم عددها محدود و معروف، رغم اختلاف العلماء فيها، حيث تتراوح الآراء بين أرقام مختلفة مثل 77,439 أو 77,437 أو 77,432 كلمة.

وعدد آيات القرآن عند أهل الكوفة: ستة آلاف ومئتان وست وثلاثون آية.بينما عدد الآيات عند أهل مكة: ستة آلاف وعشر آيات.

وفي ويكيبيديا:

عدد الآيات في القرآن6236 آية، مع 113 بسملة (غير مرقّمة)، فالعدد الكلي 6349 آية.

وأجمعوا على أن عدد حروفه: 300,000 حرفًا و23015.

(ينظر: البرهان في علوم القرآن للزركشي، 1/249).

(ينظرأيضاً: بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، الفيروزآبادي، 1/559).

 

■تحديد المفهوم:

فعددها إذن محدود ومعروف، وليست لا تعدٍّ ولا تحصى ولا تنفد.

من ذلك نستنتج أن «كلمات الله» شيء، و«الكلمات الموجودة في القرآن» — وهي نازلة عبر الوحي على النبي ﷺوآله بواسطة جبريل عليه السلام — شيء آخر.

فـ«كلمةُ الله» هي العليا، وذلك لأنها كلمة «كُنْ فَيَكُونُ» المتسلطة على الوجود و موجوداته تسلطًا لا قِبَلَ لمخلوقٍ بمقتضاه أن يحول دون أن يكون لله ما أراد إذا ما قال لما يُريد: «كُنْ فَيَكُونُ».

 

■دلائل قرآنية:

ومن ذلك ما سبق لله تعالى أن سلَّطه على الوجود من كلماته التي لا تنفد، قبل أن يوجد هذا الوجود:

(وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) يونس: 19

(وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى) طه: 129

(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)الصافات: 171–173

 

ومن ذلك أيضًا ما يتجلَّى لنا من محكم تسلّطٍ لله تعالى على كل ما يجري في الوجود تسلطًا آنيًا لحظيًا لا قدرة لمخلوق على النفاذ من قبضته، وذلك بتدبرنا الآيات الكريمة التالية:

_(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الأعراف: 115

_(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) الأعراف: 137

_(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)هود: 119

_(أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ)الزمر: 19

_(وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ)غافر: 6

_(وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ)الزمر:71

_(وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ)الشورى: 21

_(كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)يونس: 33

_(إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيم)يونس:96–97

 

■في معنى«كلمات الله»:

قال بعضهم:

«كلمات الله» تعني كلام الله الذي لا نهاية له، ويشمل كل ما يأمر به أو ينهى عنه؛ علمه، حكمته، قدرته، وكل ما يتعلق بصفاته تعالى التي لا حدود لها.

الآية الكريمة في سورة لقمان تستخدم تشبيهًا لبيان عظمة هذه الصفات وعدم إمكانية حصرها؛ فلا يكفي كل أقلام الشجر وماء البحر لتعدادها، وهذا يوضح أن كلام الله وصفاته غير مخلوقة ولا تنتهي.

 

وتسائل بعضهم:

ما المقصود بـ«ما نفدت كلمات الله»؟

وما معنى {لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ}؟

وما هي «كلمات الله» في سورة الكهف؟ وفي سورة لقمان؟

وعمومًا؛

كلمات الله هي القوانين التي وضعها الله لتسيير ملكه وتدبير أمر خلقه.

يخبرنا القرآن الكريم أن القوانين – الكلمات – التي قدّر بها الكون والكائنات الحية لا حصر لها.

والكلمات الكونية هي مجموعة القوانين التي سنّها الله عز وجل لهذا الوجود وأخضع لها مخلوقاته جميعًا على اختلاف أنواعها وتباين أجناسها.(انظر: إسلام ويب)

وقيل أيضًا:

«أي ما نفدت العبارات والدلالات التي تدل على مفهومات معاني كلامه سبحانه وتعالى».

وقال السدي:

أي إن كان البحر مدادًا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد صفات الجنة التي هي دار الثواب.

(انظر: تفسير القرطبي)

 

■في أقوال المفسرين:

 

وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير:

«كلمات الله: ما يدل على شيء من علمه مما يوحي إلى رسله أن يبلغوه، فكل معلوم يمكن أن يُخبر به، فإذا أُخبر به صار كلمة، ولذلك يُطلق على المعلومات كلمات؛ لأن الله أخبر بكثير منها، ولو شاء لأخبر بغيرها، فإطلاق الكلمات عليها مجاز بعلاقة المآل».

 

وقال ابن عطية في البحر الوجيز:

«الكلمات هي المعاني القائمة بالنفس، وهي المعلومات، ومعلومات الله سبحانه لا تتناهى، والبحر متناهٍ ضرورة».

 

وننوه هنا بما قاله الشوكاني:

لما ذكر سبحانه أنواع الدلائل نبّه على كمال القرآن فقال: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي}، وهو خطأ وقع فيه الشوكاني حيث ساوى (كلمات ربي) بـ (كلمات القرآن)، وهما شيئان لا شيء واحد.

 

فمثلًا:

_«عيسى عليه السلام» من كلمات الله، وهو إنسان مخلوق وليس كلمة من كلمات القرآن.

_وعلم الله من كلمات الله، وهو أشمل وأوسع من القرآن وكلماته، لأن علم الله لا حدود له.

بينما القرآن محدود من «الجلد إلى الجلد»، من «البسملة» و«الحمد» إلى «الناس».

ثم يعود الشوكاني فيقول:

«والحق أن كلمات الله تابعة لمعلوماته، وهي غير متناهية، فالكلمات غير متناهية.»

■الختام:رأي العلامة الطباطبائي

 

يقول العلامة الطباطبائي في "ميزانه":

الكلمة تطلق على الجملة كما تطلق على المفرد، ومنه قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64].

وقد استعملت كثيرًا في القرآن الكريم فيما قاله الله وحكم به؛

كقوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف: 137]،

وقوله: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 33]،

وقوله: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} [هود: 110]، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة جدًا.

ومن المعلوم أنه تعالى لا يتكلم بشق الفم، وإنما قوله فعله وما يفيضه من وجود كما قال: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40].

وإنما تسمى كلمة لكونها آية دالة عليه تعالى، ومن هنا سُمّي المسيح كلمة في قوله: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ} [النساء: 171].

ومن هنا يظهر أنه ما من عين يوجد أو واقعة تقع إلا وهي من حيث كونها آية دالة عليه كلمة منه، إلا أنها خُصت في عرف القرآن بما دلالته ظاهرة لا خفاء فيها ولا بطلان ولا تغير، كما قال: {وَالْحَقُّ أَقُولُ} [ص: 84]، وقال: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 29].

وذلك كالمسيح عليه السلام وموارد القضاء المحتوم.

 

ثم يضيف:

ومن هنا يظهر أن حمل الكلمات في الآية على معلوماته أو مقدوراته تعالى أو مواعده لأهل الثواب والعقاب إلى غير ذلك مما ذكره المفسرون غير سديد.

فقولُه تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} أي: فرقمت الكلمات وأُثبتت من حيث دلالتها بذاك البحر المأخوذ مدادًا، لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي.

وقوله: {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} أي ولو أمددناه ببحر آخر لنفد أيضًا قبل أن تنفد كلمات ربي.

وذكر بعضهم أن المراد بمثله جنس المثل لا مثل واحد، لأن المثل كلما أضيف إلى الأصل لم يخرج عن التناهي، وكلماته — أي معلوماته — غير متناهية، والمتناهي لا يضبط غير المتناهي.

انتهى ملخّصًا.

وما ذكره حق، لكن لا لحديث التناهي واللاتناهي، بل لأن الحقائق المدلول عليها والكلمات من حيث دلالتها غالبة على المقادير.

فكيف؟ وكل ذرة من ذرات البحر وإن فُرض ما فُرض لا تفي بثبت دلالة نفسها في مدى وجودها على ما تدل عليه من جماله وجلاله تعالى، فكيف إذا أضيف إليها غيرها؟

(الميزان في تفسير القرآن، ج13، ص403)

 

■الخاتمة :

فتأمّل وتبصّر ما مر علينا في تلافيف البحث:

 

☆كلمات الله وكلمات القرآن: بين اللاتناهي والعدد المحدد

☆ المعنى الأدق لـ“كلمات الله” في ضوء سورة الكهف (الآية109)

☆اللاتناهي الإلهي في “كلمات الله” وتميّزه عن كلمات الوحي

☆ “كلمات الله” بين المفهوم الكوني والمفهوم النصّي

☆ من “كن فيكون” إلى نصّ القرآن: جدلية الكلمة الإلهية

☆ كلمة الله العليا وكلمات الوحي المحدودة: دراسة لغوية قرآنية

☆ البحر مدادًا للكلمات: قراءة لغوية في معنى اللاتناهي القرآني

☆تأملات فاحصة في الآية : {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي..}

☆ بين كلمات الخلق وكلمات الخالق: تفرّع المعنى في المفردة القرآنية./انتهى


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . رعد هادي جبارة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/10/19



كتابة تعليق لموضوع : كلمات الله لا تُحصى، وكلمات القرآن معدودة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net