صفحة الكاتب : حسين النعمة

هل يحتاج الوحي إلى شاهدٍ بشري؟
حسين النعمة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 من يفتح باب العقل ليتأمل في البدايات، يجد أن القصة الموروثة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله حين عاد من غار حراء مضطربًا، باحثًا عن ورقة بن نوفل ليسمع منه كلمة تؤكد له نبوته، تبدو كأنها شَذرة غير منسجمة مع مقام الرسالة. كيف يمكن لعقلٍ أن يقبل أن رسول السماء، المهيأ منذ الطفولة بعناية ربانية، يترنح أمام نفسه ليطلب شهادة بشر آخر على أنه نبي؟

النبوة ليست ورقة اعتماد من شيخٍ أو كاهن، وليست حاجةً إلى توقيع بشري يمنحها الشرعية. النبوة يقينٌ غامر، يقتحم الروح كما يقتحم الفجرُ عتمة الليل. وهل يمكن للذي غُسلت روحه في نهر الاصطفاء أن يشك لحظةً في تكليفه؟ إن نزول الوحي، بجبروته وهيبته، ليس تجربة عابرة، بل لحظة مفصلية تُعيد تشكيل كيان الإنسان الموحى إليه، حتى لا يبقى فيه موضع للشك.

إن محاولة حصر هذه التجربة في حوارٍ قصير مع ورقة بن نوفل، تبدو وكأنها محاولة لتجريد النبوة من يقينها المطلق، وجعلها تحتاج إلى مرآة بشرية لتعرف ذاتها. ولكن، أليس هذا انتقاصًا من مقام النبوة؟ أليس في ذلك ما يوحي بأن النور السماوي لا يكفي لإشعال الوعي، حتى يُستنجد بشعلةٍ أرضية؟

حين نقلب المعنى على وجوهه، ندرك أن هذه الرواية ربما وُضعت لتبدو مُقنعةً للذهن البسيط: النبي يتلقى الوحي فيرتبك، فيطمئنه حكيمٌ من أهل الكتاب. لكنها في عمقها تترك سؤالًا مؤرقًا: هل يحتاج رسول الله، وهو المصطفى قبل أن يُخلَق، إلى طمأنةٍ من رجلٍ آخر؟ المنطق السليم يقول: لا. والوجدان يقول: الوحي وحده يكفي.

الانزياح النفسي هنا يُشير إلى ما هو أبعد من الحكاية؛ إنه محاولة تصوير النبي وكأنه عابرٌ في دهشة نفسه، يبحث عن يقينٍ خارج ذاته. لكنها صورة لا يقرها قلبٌ مؤمن ولا عقلٌ صافٍ، لأن الرسالة السماوية لا تحتاج إلى شاهد إلا الله الذي أرسلها.

وهكذا، يبقى السؤال حاضرًا في ضمير الباحث والقارئ: هل يحتاج النور إلى شاهدٍ يبرهن على أنه نور؟.. و النبوة يقين سماوي، لا شهادة ارضية.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسين النعمة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/08/27



كتابة تعليق لموضوع : هل يحتاج الوحي إلى شاهدٍ بشري؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net