ولنا في أصحاب الحسين أسوة حسنة / ٢
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يحيى غالي ياسين

عابس الشاكري
قال تعالى [ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ ] المائدة ٥٤
الحبُّ من أهمّ أسباب ومحرّكات العمل والطاعة ، فقد يُدرك العقل حُسن وقبح شيء ، ويثبت بالبرهان أحقية هذا الطرف على ذاك ، ولكن هذا الإدراك وهذا الإثبات لا يؤدي بصاحبه الى العمل بالضرورة ، فالعلمُ شيء والهوى شيء آخر ، وإذا اجتمع العلم والهوى على شيء أنتج لنا العمل بأعلى وأبهى صوره ودرجاته ..
ولهذا فإن الآية التي تصدرت المنشور قد ركّزت على الصفة التي يتحلّى بها القوم الذين سيستبدلهم الله تعالى بالمرتدّين عن الدّين وهي ( يحبهم ويحبونه ) ، ففي مقابل الارتداد هو الايمان والاعتقاد لا الحب ..! ولكنها ذكرت الحبّ كصفة مضافة للإيمان من شأنها تمنع الارتداد من جهة وتبعث على العمل والطاعة من جهة أخرى .. ففيها إشارة الى أن هؤلاء الذين ارتدّوا عن الدّين ينقصهم هذا الشعور العاطفي نحوه ..
وتكررَ هذا المعنى في اقتران الحب بالعمل في القرآن الكريم من قبيل ( قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ) ال عمران ٣١ ، وتُنقل عن الشافعي أبيات مشهورة :
تَعْصِي الإِله وَأنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ
هذا محالٌ في القياس بديعُ
لَوْ كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لأَطَعْتَهُ
إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ
وهذه الصفة قد عُرف بها أصحاب الحسين عليه السلام جميعهم ، ونطق الشاعر حقاً حين وصفهم ( لبسوا القلوب على الدروع ) ، ولكن الذي أشتهر بها بالخصوص هو الشهيد عابس ابن أبي شبيب الشاكري رضوان الله تعالى عليه حتى سمّيَّ بمجنون الحسين عليه السلام تعبيراً عن شدّة حبه له ..
وعابس الشاكري من أهل الكوفة ، أعطى ولاءه للإمام الحسين عليه السلام وعبّر عن حبّه من أول لحظات وصول مسلم بن عقيل للكوفة حين اجتمع الناس في دار المختار وقرأ عليهم مسلم كتاب الحسين عليه السلام ، فأخذوا يبكون وقام عابس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : [ أما بعد فإني لا أخبرك عن الناس ... ولكن أخبرك بما أنا موطّن نفسي عليه ، والله لأجيبنكم إذا دعوتم ولأقاتلن معكم عدوكم ولأضربن سيفي دونكم حتى ألقى الله ، لا أريد بذلك إلا ما عند الله ] . فكلمات الرجل طافحة بالحب لآل البيت وبالاستعداد للتضحية دونهم ..
وقد أرسله مسلم بن عقيل الى الحسين ع بكتابه الذي يقول فيه : [ أما بعد فإن الرائد لا يكذب أهله .. ] .
وجاء عابس مع الحسين ع الى كربلاء وتقدّم بين يدي الحسين يعرض حبّه له ويطلب القتال بين يديه قائلاً له : [ يا ابا عبدالله أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعز علي ولا أحب إلي منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعز علي من نفسي ودمي لفعلته .. ] الطبري ج٦ ص٢٥٤
ولشجاعته لم يتقدم اليه أحد ، فرموه بالحجارة ، فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره عن رأسه .. ليشجعهم على ملاقاته .. فهجموا عليه من كل جانب حتى استشهد سعيداً بين يدي ابي عبدالله عليه السلام ..
ما نأخذه من هذا الصحابي الكبير من درس وعظة وعبرة هو شدّة حبّه لأبي عبدالله وأهل البيت عليهم السلام ، هذا الحبّ الذي أوصله الى هذه الدرجة الرفيعة ، درجة أصحاب الحسين ، فكان الحبّ سبب توفيقه للالتحاق بقافلة شهداء العشق ، والحبّ وراء صموده وثبات موقفه ، وأخيراً كان الحبّ هو سلاحه ودرعه الذي لاقى به القوم وفاز به الجنّة ..
فحريٌ بنا أن نزرع هذا الحبّ الطاهر المقدّس لأهل بيت العصمة في قلوبنا ونسقيه بدموعنا وطاعتنا ، فهو سلاحنا في محاريب العبادة وساحات العمل والجهاد ، وستكون ثمرته ما لا عين رأت ولا أذن سمعت إن شاء الله تعالى ..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat