بشرية النبي محمد [ ص وآله ]
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يحيى غالي ياسين

مما يمّيز شخصيّة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسيرته ورسالته التي دعا الناس إليها وأساليبه التي استعملها في الدعوة وطرقه وأدواته التي أقنعهم بها .. أنها تميل الى الطبيعة البشرية بصورة أكبر منها الى الغيبية والاعجازية ..
فأثبت الدين بأخلاقه العالية التي شهدت لها السماء والأرض ، من صدقٍ وأمانةّ ورحمةٍ ورأفة ..
وبعقلانية ما دعا الناس اليه من ترك عبادة الأوثان وعبادة الله الواحد الأحد والتمسك بفضائل الأخلاق ونبذ كل ما تنبذه الفطرة ويستقبحه العقل السليم .
وبما أتى به من شريعةٍ سمحاء ، تنظّم علاقة الإنسان مع نفسه وربه وأسرته ومجتمعه ومع الطبيعة التي يعيش فيها .. وهكذا
فعندما نقرأ حياة النبي صلى الله عليه وآله وكتاب الله الذي أتى به وحديثه وكل تفاصيل عمر الدعوة الإسلامية فإننا سنجد أن نسبة الاعتماد على العامل الغيبي والاعجازي فيها الى مجريات الأمور البشرية والطبيعية نسبة الملح في الطعام وبمقدار الحاجة والضرورة الملحّة ، فلم يعتمد صلوات الله وسلامه عليه على هذا العامل - الاعجازي - بشكل أساسي لأسباب نحتملها هنا :
١. الايمان عن معجزة أقلّ شأناً من الإيمان بتفكر وتعقل واجتهاد ..
٢. إن الدين الذي جاء به صلى الله عليه وآله هو دين العقل والفطرة ودين يتناسب وطبيعة الأشياء وطبيعة الحياة ..
٣. هو خاتم الأديان حتى تقوم الساعة ، فإذا قامت الحجة الى المعاصرين للرسول ص وآله بالمعجزة ، فكيف تقوم الحجة على من أتى بعدهم .. !
٤. يستطيع كلُّ مسلم أن يكون داعيةً لدينه لا بالمعجزة وإنما بالمقبولية البشرية لهذا الدين ..
نعم ، حصلت المعجزة وذكرت بعض المصادر أنها وصلت الى الألف معجزة ، بين معنوية وحسية ، ولكن ليس لبرهنة عقيدة أو إثبات حكم إسلامي ، وإنما - على الأغلب - حصلت بمقدار إثبات وحيانية الدعوة أو دفع خطر وجودي تتعرض له الرسالة .. فلم يعتمد الإسلام على المعجزة كأسلوب أساسي للدعوة .
حتى القرآن الكريم الذي هو المعجزة الكبرى والخالدة للإسلام فإن من أهمّ أسرار خلوده هو عامل الموائمة بين آياته والطبيعة الكونية والإنسانية ، قال تعالى [ فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَٰهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ] الدخان ٥٨ ، وقال تعالى [ وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا ] الكهف ٥٤ ، وقال تعالى [ وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ] القمر٤٠ .
ومن دلائل ذلك ايضاً هو أن العقائد في الإسلام لا تؤخذ بالإكراه ولا بالمعجزة ولا بالكرامة وإنما تؤخذ بالدليل العقلي والفطري والاجتهاد الشخصي ، وكذلك الأحكام الشرعية ، فكل حكم يخالف العقل أو الفطرة أو يكون خارج الإمكانية والطاقة البشرية فيكون حينها خارج دائرة الشريعة الإسلامية .. قال تعالى [ وما جعل عليكم في الدين من حرج ] الحج ٧٨ ، بل حتى العُرف هو أحد أهم مصادر التشريع الإسلامي ، قال تعالى [ خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ ] الأعراف ١٩٩
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat