الرسول - صلى الله عليه وآله - : أمينٌ وأمانٌ
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يحيى غالي ياسين

كلنا يعرف بأن رسول الله صلى الله عليه وآله هو الصادق الأمين ، وهذه من أوضح وأشهر صفاته ، وأقرّها له المشركون قبل المسلمين .. ولكن هناك صفة أخرى له صلوات الله عليه قد بيّنها لنا القرآن الكريم وأكدتها لنا الروايات الشريفة قليلاً ما نلتفت اليها ، وهي صفة الأمان ، فهو أمان هذه الأمة ومانع العذاب عنها .. قال تعالى [ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ ] الأنفال ٣٣
فتوضّح هذه الآية المباركة مصدري أمان للأمة الإسلامية من العذاب الإلهي العامّ الذي كثيراً ما حدّثنا القرآن الكريم عن حصوله في الأمم السابقة ، كالصيحة والطوفان والريح .. والمصدران هما ( رسول الله والاستغفار ) .
ولقد قيّدت الآية المباركة رسول الله كأمان للأمة بقولها [ وأنت فيهم ] ، وهذا القيد يمكن أن نفهمه على مستويات :
المستوى الأول : الوجود المادي لرسول الله صلى الله عليه وآله ، وهذا هو أول ما يتبادر الى الذهن ، وهذا ما فهمه ابن عباس من الآية حيث يقول : [ كان فيهم أمانان : النبي - صلى الله عليه وسلم - والاستغفار ، فذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - وبقي الاستغفار ] تفسير ابن كثير .
وما يؤكد هذا المستوى أيضاً هو رأي الدكتور فاضل السامرائي يوضح فيه هذا المعنى من خلال الاختلاف اللفظي ، حيث جاء في صدر الآية بالفعل ( ليعذبهم ) وجاء بعده بالاسم ( معذبهم ) ، وذلك أنه جعل الاستغفار مانعاً ثابتاً من العذاب بخلاف بقاء الرسول بينهم فإنه - أي العذاب - موقوت ببقائه بينهم ، فذكر الحالة الثابتة بالصيغة الاسمية والحالة الموقوتة بالصيغة الفعلية .
المستوى الثاني : ما يعمّ الوجود المادي والمعنوي ، ولنقل الانتماء الى رسول الله صلى الله عليه وآله ديناً وشريعةً ورسالة ، سواء كان ذلك في حياته أو بعد وفاته ، في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مقامي بين أظهركم خير لكم فإن الله يقول : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ، ومفارقتي إياكم خير لكم . فقالوا : يا رسول الله مقامك : بين أظهرنا خير لنا فكيف يكون مفارقتك خير لنا ؟ فقال : أما مفارقتي لكم خير لكم فإن أعمالكم تعرض على كل خميس واثنين - فما كان من حسنة حمدت الله عليها ، وما كان من سيئة استغفر الله لكم ] .
المستوى الثالث : الوجود الامتدادي ، فلرسول الله صلى الله عليه وآله امتداد إسلامي إلهي يتمثل بالقرآن والعترة ، وطالما أكدت على ذلك النصوص الشريفة ، قرآنية وروائية ، فحديث الثقلين [ إني تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا : كتاب الله وعِترتي أهل بيتي ، فإنَّهما لن يفترقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ ] ، وحديث [ مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ] .. وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : [ النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لامتي ، فإذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء ، وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض ] ، وغيرها تشهد على هذا الأمان الامتدادي لرسول الله صلى الله عليه وآله .
فرسول الله صلى الله عليه وآله كله أمان ورحمة لهذه الأمة ، في حياته وبعد وفاته وفي رسالته وأهل بيته عليهم السلام .. ولكن بشرط وقيد [ أنت فيهم ] ..!
آجركم الله
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat