كلنا يعرف بأن رسول الله صلى الله عليه وآله هو الصادق الأمين ، وهذه من أوضح وأشهر صفاته ، وأقرّها له المشركون قبل المسلمين .. ولكن هناك صفة أخرى له صلوات الله عليه قد بيّنها لنا القرآن الكريم وأكدتها لنا الروايات الشريفة قليلاً ما نلتفت اليها ، وهي صفة الأمان ، فهو أمان هذه الأمة ومانع العذاب عنها .. قال تعالى [ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ ] الأنفال ٣٣
فتوضّح هذه الآية المباركة مصدري أمان للأمة الإسلامية من العذاب الإلهي العامّ الذي كثيراً ما حدّثنا القرآن الكريم عن حصوله في الأمم السابقة ، كالصيحة والطوفان والريح .. والمصدران هما ( رسول الله والاستغفار ) .
ولقد قيّدت الآية المباركة رسول الله كأمان للأمة بقولها [ وأنت فيهم ] ، وهذا القيد يمكن أن نفهمه على مستويات :
المستوى الأول : الوجود المادي لرسول الله صلى الله عليه وآله ، وهذا هو أول ما يتبادر الى الذهن ، وهذا ما فهمه ابن عباس من الآية حيث يقول : [ كان فيهم أمانان : النبي - صلى الله عليه وسلم - والاستغفار ، فذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - وبقي الاستغفار ] تفسير ابن كثير .
وما يؤكد هذا المستوى أيضاً هو رأي الدكتور فاضل السامرائي يوضح فيه هذا المعنى من خلال الاختلاف اللفظي ، حيث جاء في صدر الآية بالفعل ( ليعذبهم ) وجاء بعده بالاسم ( معذبهم ) ، وذلك أنه جعل الاستغفار مانعاً ثابتاً من العذاب بخلاف بقاء الرسول بينهم فإنه - أي العذاب - موقوت ببقائه بينهم ، فذكر الحالة الثابتة بالصيغة الاسمية والحالة الموقوتة بالصيغة الفعلية .
المستوى الثاني : ما يعمّ الوجود المادي والمعنوي ، ولنقل الانتماء الى رسول الله صلى الله عليه وآله ديناً وشريعةً ورسالة ، سواء كان ذلك في حياته أو بعد وفاته ، في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مقامي بين أظهركم خير لكم فإن الله يقول : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ، ومفارقتي إياكم خير لكم . فقالوا : يا رسول الله مقامك : بين أظهرنا خير لنا فكيف يكون مفارقتك خير لنا ؟ فقال : أما مفارقتي لكم خير لكم فإن أعمالكم تعرض على كل خميس واثنين - فما كان من حسنة حمدت الله عليها ، وما كان من سيئة استغفر الله لكم ] .
المستوى الثالث : الوجود الامتدادي ، فلرسول الله صلى الله عليه وآله امتداد إسلامي إلهي يتمثل بالقرآن والعترة ، وطالما أكدت على ذلك النصوص الشريفة ، قرآنية وروائية ، فحديث الثقلين [ إني تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا : كتاب الله وعِترتي أهل بيتي ، فإنَّهما لن يفترقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ ] ، وحديث [ مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ] .. وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : [ النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لامتي ، فإذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء ، وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض ] ، وغيرها تشهد على هذا الأمان الامتدادي لرسول الله صلى الله عليه وآله .
فرسول الله صلى الله عليه وآله كله أمان ورحمة لهذه الأمة ، في حياته وبعد وفاته وفي رسالته وأهل بيته عليهم السلام .. ولكن بشرط وقيد [ أنت فيهم ] ..!
آجركم الله
|