أرى هذا الليل طويلًا،
كطريق لا نهاية له،
وكل واحدٍ منا يقطعه بطريقته،
يعبر خلال وريده بقطرات شعور مختلفة…
حتى الأصوات هنا لها أنفاس، لها أرواح.
أسمع العصافير تتوارى بين أغصانها، تعزف موسيقى سرية لا يفكّ شفراتها إلا الساهرون.
المباني شامخة كأنها حراس لهذا الليل،
والإضاءات تتزين بحنوها البهي،
ترقص بهدوء تحت عباءة الصمت الثقيلة.
الليل هنا ليس فراغًا…
بل نَفَس عظيم يسري في كل شيء.
القمر يتوسد السماء كعروس في ليل زفافها،
وكل ما حولي يسبّح في صمت…
الأشياء تتنفس…
تتكلّم بلا صوت…
حتى الصمت له صدى.
بعيدًا عن ضجيج الحياة،
بعيدًا عن صخب السيارات…
كل شيء حيّ، كل شيء حيّ بطريقة مختلفة.
كنت أظن أن الليل بعيد، غريب، جامد…
لكنني الآن أراه كعباءة أبٍ يلف بها أبناءه قبل النوم… فيها دفء، وفيها أمان.
الليل… وطن.
وطنٌ للغائبين، للتائهين، للعاشقين.
في الليل… لا تعود الأشياء فقط للحياة، بل حتى الأسئلة القديمة تعود، والفضول ينهض من سباته.
وأنا هنا، أقلب وجهي في السماء، أسألها:
هل القلب له وجه؟
نعم… حين ينظر للسماء، تنبت له عينان وفم… تختفي الملامح ويبقى القلب وحده — هو من يرى… وهو من يقول.
وربما… سمعتُ تسبيح الأشياء من حولي…
المباني، الأشجار، الحجارة، حتى الظلام نفسه… كلها تنطق بأسرار لا يسمعها إلا من أنصت بقلبه.
كانت أصواتًا غريبة… لكنها جميلة…
غيمة من نور تحلّق عاليًا في الفضاء، تنظر إلى الأرض بطمأنينة العارف،
تعلم أن النهاية ليست هنا…
وأن البداية الحقيقية — هناك… كل شيء يسبح باسم الله تعالى حين تبدأ الحكاية من السماء.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat