اليوم عصرا في مقهى الرصيف الثقافي حاورت صديقي الكاتب (عبد الحسين طاهر) حوارا مبتورا عن مقالته حول الشاعر المبدع (عبد الرزاق منهل) . قلت له : لماذا لم تكتب في مقالتك نظرية المكان بدلا من نكهة المكان لا سيما والنظرية اشمل من النكهة ؟ وعذرا فلا ازاحمك الرأي فانت فارس النص وسيد الكتابة ووصيها ، و لعلي هنا احيل الشاعر الى اثر المكان في القصة لاسيما و(منهل) قاصا قبل ان يكون شاعرا ، والمكان من الأمور الفنية التي يعول عليها السرد ، بل تؤلف أساسا من اساسياته ، ومحورا رئيسا من محاوره ، اذا ما سلمنا ان الشخصيات والاحداث تتمحور وتطوف في فلكه . وهو الامر الذي يسهم ويتحف البناء الروائي ، وهذا الفضاء يؤلف مساحة تجبرنا الى ان نضعه في خانة النظرية لا النكهة ! او ما يسمى بطعم المكان – وهو ما يرجحه (طاهر) - و ما يرتهن بالذاكرة التي تستحضر ذلك الطعم او تلك النكهة ، مثل نكهة الشاي ، او القهوة ، او نكهة البرتقال ، وكل ما له علاقة بالطعم الذي لا ينسى في الذاكرة ، اذا ما تذكرت ان الكاتب (عبد الحسين طاهر ) قد يحيلها الى الشعر الشعبي ، وهو بالمناسبة شاعر شعبي متمكن ، ليجعلها ضمن خانة (نكهة أهلنا ) او (ريحة هلي ) ..(الله يا ريحة هلي ) او حتى هناك من يقول : لم انس طعم الشاي الذي شربته في كذا مدينة ، او طعم القهوة في مقاهي صيدا في لبنان ، او قيمر السدة ، او دهن الحر في اجبلة ، او نكهة كباب الحاج خضير .
وبما ان الحوار مبتورا فقد احيل تشبث الكاتب الى نظرية المكان عند كرستايلر الخاصة بالتوزيع السكاني الذي تعتمد عليها كبرى المدارس الاوربية في عملية استثمار الفضاء وتوزيع وتشييد المدن ، ولكني اجد فيها نظرية عمرانية تنموية لا اظن ان الأستاذ الكاتب يتطرق اليها . ولا يفوتني هنا ان انوه الى ان هذه النظرية تدخل في الاطار الطوبائي او اليوتوبي المثالي الذي صار ضمن دائرة الامل الحلم المثال ...
او ان الأستاذ الكاتب (عبد الحسبن) ووفق نظرته الوجودية قد أحال المكان الى الهيولي الذي يتجسد بالصورة المادية ، لكونه يعتمد في جل تحليلاته على نظرية مادية وجودية يكون للمكان صورة وحركة طبيعية تفضي الى خلق الموجودات ، وهو دائما ما يستشهد بنظرية النشوء والارتقاء لدارون الذي ينعته بالعم دارون . ولعله يقصد بالمكان هو الحيز الذي يشغله الهيولي او الصورة ، او ما يسمى بالمركب ضمن الادبيات الفلسفية ، وهو ما يحيلنا مرة ثانية وثالثة الى قول بعض الفلاسفة العرب باستحالة حلول مكان بدل مكان ، او وقع الحافر على الحافر ، وهو امر يخص التوارد .
لكنني ارهن المكان هنا بعزلة الشاعر (منهل) الذي تفرغ الى نفسه ، بعد ان انتقل الى مكان اكثر هدوء وابعد مكانا ، فراح يعتمد المناجاة ، ويفيض بالقراءات ، لينتج لنا نصا مسبوكا ، وادبا رصينا ، وفنا واثقا ..واظن ان هذا الامر قد حفز ثيمة التوصيف والنعت لتحل النكهة وتسكن محمول الأستاذ عبد الحسين الذي احترم رأيه الثاقب .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat