كم أنت عزيز يا يمن
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

ومن لم يطّلع على أصول الشعب اليمني وطباعه ومثالياته، وتاريخه القديم والحديث، يصاب بالمفاجأة ويمتلّكه الذهول، مما ظهر به هذا الشعب المقاوم الأبيّ بمواقف صادقة، أبداها تجاه أشقاء في غزة مستهدفون بالإبادة، وتدمير ممنهج يتعرضون له كل يوم، ويهدد وجودهم على أرضهم، بعد سنيّ الحصار الخانق المطبق عليهم، من طرف عدوّهم المحتل، بالتعاون مع نظام مصري، لم يدّخر جهدا في تطبيق تعليمات مُعيبة، تأتيه من أمريكا تنفيذا لرغبة إسرائيل، وهو ضمن عدد كبير من حكام عرب ومسلمين مخذولين، طار الحياء من وجوههم، فرارا من أعمالهم ومواقفهم المخجلة، وحلّ محله شبح خيانة مبادئ وعمالة غرب لئيم خبيث، كاشف عن وجه صهيوني متطابق في عدائه للمسلمين.
شعب رفض الضّيم ونجح ثواره في القضاء على نظام، مضى سابقا في نفس سياسة عمالة لدول الخليج، قاطعا بذلك الطريق أمام أسوأ فترة معاصرة عاشها، عمالة تخفي وراءها عمالة أخرى لا تقلّ سوءً عن الأولى، ودخل مجال العزة والإباء بكلّ تحدّ، فارضا على كل من أراد به شرّا، احترام خياراته السياسية الداخلية والخارجية، ولم ينجح عدوان تحالف عربي قادته السعودية استمر اكثر من خمس سنوات اشتركت معها فيه كل من السودان ومصر والأردن والمغرب والكويت والإمارات والبحرين، إضافة إلى قطر(1)، كان هدفه إطفاء جذوة ثورته، رغم التعاون الوثيق بين مكوناته مع القوى الغربية التي كانت الدّافعة إليه، واليمن بموقعه الاستراتيجي الهام يُعتبر شريان التجارة العالمية بين الشرق والغرب، وهذا ما أزعج أعداء اليمن وأحرجهم كثيرا، ودفعهم للتحرك بقوة، من أجل إعادته إلى حضيرة العمالة كما كان سابقا، ممتثلا لأوامر مجلس التعاون الخليجي.
عندما أعلنت الحكومة اليمنية الشرعية ( بصنعاء)، وقوفها إلى جانب أشقائها المظلومين في غزّة، كان ذلك الإعلان واجبا أملاه عليها، التزامها بأحكام دينها، في مؤازرة ومناصرة المظلومين، الذين ضاقت به سبل الانتصار لقضايا تحررهم من عبودية شياطين البشر، ولم يجدوا من يقف معهم، وجاء موقف اليمن الأبيّ السعيد الوفيّ، معبّرا عن معدنٍ نادر من أصالة شعب، بدا في هذه المواجهة معبّرا عن نموذج إسلامي هبّ بجميع مكوناته، مدافعا عن فلسطين في وجه غطرسة صهيونية غربية، غير عابئ بما سيسفر عن ذلك من نتائج، ذلك أنّ لكل حقّ ضريبة تُدفع.
وفي تطوّر متسارع – وكان منتظرا – وجد اليمن حكومة وشعبا أنفسهم في مواجهة القوى الداعمة للكيان الصهيوني أمريكا وبريطانيا، اللتين سارعتا إلى شن غارات عدوانية على المدن والمواقع اليمنية في مسعى لكسر إرادة اليمنيين، وثنيهم عن مواصلة مؤازرة اخوانهم الفلسطينيين في القطاع المنكوب والمحاصر، وكان الشرط اليمني الأساسي المُعْلن رفع الحصار عن غزّة، ووقف العدوان عليها، وتزويد أهلها بما يحتاجونه من مواد حياتية، معلنين صراحة أنّهم لن يتوقفوا عن مهاجمة المواقع الصهيونية داخل فلسطين، طالما بقي العدوان والحصار قائمين على القطاع المنكوب.
وفي تحدّ آخر، أعلن اليمن الأبيّ عن قرار توسيع منع مرور السفن، لشمل أيضا السفن الأمريكية والبريطانية والغربية عموما تجارية كانت أم حربية، وقام بخطوات عملية في هذا الاجراء الذي كان مقتصرا على السفن المتجهة الى موانئ فلسطين المحتلة، ما أفزع المُسْتَهدَفين ودفعهم الى مضاعفة العدوان على مساحات شاسعة من محافظات اليمن، لكن ذلك كله لم يُجْدي نفعا لمخطط أمريكي سقط في الماء، برهن فيه اليمنيون مجددا أنهم أهل دين ووفاء، لم تُرهبهم الغارات ولا أضعفتهم الخسائر المادية والبشرية التي لحقتهم، بل زادتهم ايمانا بأنّهم على الحق قائمون فردّوا الصاع صاعين بقصف مواقع حساسة داخل فلسطين المحتلة، ومنها مطار بن غوريون الذي تعطلت ملاحته.
ضربات أحرار اليمن التي وجّهوها للقطع البحرية الأمريكية كانت مؤثرة بحيث بلغت نتائجها الى الرئيس الأمريكي ترامب من خلال تقارير الجيش المرفوعة إليه، فلم يتمالك أن أعلن وقف الاعمال العدوانية على اليمن من جانب واحد، وفي هذا وحده انتصار لإرادة شعب أبى قديما ويأبى حديثا من ان تنكسر ارادته، دون أن يكون له مقابلها ردّ وصدّ معبّرين على ما يختزله الشعب اليمني من عزة وإباء نادرين، في عالم يسير بحكامه وشعوبه إلى مستنقع تبعية يرفضها أحرار العالم، لا فائدة من ورائها، سوى مزيد من الذلّ والمهانة والانكسار.
ولا اعتقد أن هناك شعب عربي آخر بإمكانه أن يباري الشعب اليمني، فيما أقدم عليه من قرار مصيري، تحمّل تبعاته بصدر رحب، فلم يُثنِه عن نهجه الثوري وإعلان تحديه لقوى الظلام الغربي ما تكبّده من اضرار حلت ببنيته المدنية، كان عزاؤه الوحيد وهو يرى تعطيل الحياة الاقتصادية في داخل فلسطين المحتلة أن كل شيء يهون من أجل فلسطين، هذا وما زال هؤلاء الأحرار الى اليوم ثابتين في موقفهم الذي أعلنوه منذ بداية العدوان على غزّة، ولن يتوقفوا من قصف مواقع مؤثرة داخل فلسطين، طالما أن عدوان القوات الصهيونية مستمرّ على الغزّاويين، ولن يُخلِف رجال اليمن وعدهم الذي قطعوه على أنفسهم في شدّ إزر إخوانهم، مهما بلغت التضحيات من جانبهم، كما لن يدّخروا جهدا من أجل رفع الضّيم عنهم.
هذا هو اليمن السعيد، وحقيق به ان يكون سعيدا رغم طريق الآلام والتحديات الذي اختاره، استجابة لواجب دعاه الى خوضه، بشجاعة فريدة وعزّة، ليست في متناول أي شعب لم يعتمد على خالقه، ولم يقم وزنا لمعادلات تفوق مادي غربيّ، يحسب حسابه غيره من الشعوب، وهذا من فارقات عزم شعب آمن بأن النصر من عند الله وأن العزّة هي لمن قال ربي الله ثم استقام، فلله درّ أهلنا في اليمن، بهم بدأت مرحلة جديدة من تاريخنا، أساسها الرجوع إلى الله والانابة اليه منه يأتي النصر والخير، فكم أنت عزيز يا يمن.
المراجع
1 – من هي الأطراف المشاركة في النزاع اليمني ؟
https://www.france24.com/ar/20190523-
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat