ربط موسى عليه السلام بين ضيق الصدر وعقدة اللسان، وكأن القلب إذا امتلأ بالثقل صمت اللسان، لا عن رضا، بل عن عجزٍ وألم. فالصمت أحيانًا لا يعني السكينة، بل قد يكون صوتًا مكتومًا لحزنٍ لا يجد مخرجًا.
ولهذا دعا ربه لا ليشرح صدره فقط، بل ليفكّ عقدة لسانه، لأن الحديث حين يخرج من صدرٍ ضيّق لا يبلغ مداه، ولأن الشعور حين يُحبس داخلك يُثقلك حتى في أبسط الكلمات.
ولم يطلب موسى المعونة وحده، بل قال: “واجعل لي وزيرًا من أهلي، هارون أخي، اشدد به أزري.”
كأن الألم لا يُحتمل وحده، وكأن الحِمل إذا تقاسمه قلبان خفّ، وكأن بعض الصدور خُلقت لتكون مرفأ للضيق حين لا يُحكى.
ليس كل صامتٍ راضٍ، وليس كل مُنطلقٍ مرتاح. وبعضنا لا يحتاج أكثر من هارون يشاركه الحِمل ويكمل عنه ما عجز أن ينطقه
في هذه الآية سرّ عظيم، لا يدركه إلا من ذاق وعورة الطريق إلى الله.
حين قال موسى: “فأرسل إلى هارون”، لم يكن ضعيفًا، بل كان واعيًا بأن السير إلى الله شاق، وأن القلوب تفتر، والنفس تضعف، وأنه لا بد من رفيق يُسندك إذا تعبت، ويوقظك إذا غفلت، ويذكّرك بالله حين تغلبك الدنيا.
“كي نسبحك كثيرًا ونذكرك كثيرًا”
العبادة حين تُقال بصوتين، والذكر حين يُتبادل بين قلبين، يثبت ويثمر ويعلو.
موسى لم يطلب الصحبة للتسلية، بل ليستقوي بها على الطريق.
فقال الله: “قد أوتيت سؤلك يا موسى”.
كأن الجواب يقول: ما دامت نيتك لي، وصحبتك لي، فخذ ما سألت.
وفي هذه الآية سلوى للقلوب المتعبة، التي لا تجد تحت سقف الأماكن من يمسك بيدها نحو الله، فتفرّ باحثة عن الصحبة بطرق كثيرة، وتطرق أبوابًا مختلفة، منها أماكن العلم حتى لو كانت إلكترونية، لعلها تجد قلبًا يشبهها، يمشي معها في الطريق.
فلا تمشِ إلى الله وحدك إن وجدت قلبًا يؤمن كإيمانك.
لا تخجل من أن تطلب العون، من أن تقول: “أمسكني”،
فالطريق طويل، والفتن كثيرة،
لكن الله لا يخيّب قلبًا أراد وجهه،
ولا يرد دعوة خرجت من صدق،
ولا يحرم عبدًا سأل عونًا ليبلّغ رسالته.
صدقني، ما دمت تسعى، فالله معك.
وما دمت تفتش عنه بصدق، فلن يخذلك أبدًا.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat