تركيا اليوم .. من سيأكل الخازوق؟
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

الحلم العثماني الذي طاما راود الرئيس التركي أردوغان، وهو إعادة أمجاد الباب العالي، الذي هدّم أسسه أتاتورك محوّل تركيا من عثمانية إلى دولة لائكية يبدو أنه قد بدأ يتبدّد هذه الأيام، لعوامل عدّة برزت على الساحة الداخلية التركية، لعلّ أهمّها السياسة التي انتهجها جنوبا ضد الأكراد والتي لم تترك له مؤيّدا هناك، وهم يمثلون نسبة كبير من المكون الشعبي التركي، تتوازى اليوم مع عمليات الإبادة الطائفية، التي ترتكبها قوات هيئة تحرير الشام، بحق المدنيين العلويين بالساحل، وهي أعمال تجاهلها الغرب وهو يعلم بشاعتها والتزمت دوله بالسكوت عنها، مقابل سكوت الحكومة السورية المؤقتة على التمدد الإسرائيلي في جنوب سوريا.
علويوا تركيا يمثّلون أغلبية الطائفة العلوية في المنطقة، فعددهم بتركيا يتجاوز --- ولهم ثقلهم في البلاد، وقد عبّروا عن شديد امتعاضهم من موقف أردوغان، تجاه ما يجير من أحداث محزنة لهم على الساحل السوري، ويعتبرونه متورّطا في ذلك، فهو من مهّد لدخول تلك الفصائل الإرهابية الى الأراضي السورية مرتين الأولى في سنة 2012 وباءت بالفشل، والثانية في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر من السنة الماضية، وقد حصل بعد اتفاق بينه وبين بوتين، على حساب إيران وحزب الله.
كان بإمكان اردوغان أن يفرض على صنيعته الجولاني، أن لا يطلق عناصره الإرهابية على الأقليات العلوية والشيعية يخطفون ويعتدون ويقتلون وينهبون بيتهم ويحرقونها في نهاية المطاف، وكان من أبسط ما كان يجب أن يقوم به بعد بداية شرارة الاعتداءات أن يأمر بإطفائها لكنه لم يفعل وبقي صامتا كأنّ شيا لم يكن، هنا شعُر العلويون بتركيا بأنّ رئيسهم لا يأبه لإخوانهم في سوريا، فتحرّكوا في أول احتجاجات مدنية اجتاحت تركيا بسبب اعتقال رئيس بلدية استمبول ( إمام أوغلو)(1) ذو الشعبية الكاسحة بين الوسط الشعبي التركي، والذي يُعتبر منافسا جدّيا لأردوغان عن بقي في وظيفته فإنّه حتما سيسقط نظامه.
أما مبررات الإعتقال فهي سخيفة جدّا، وبرهنت على سفاهة أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية
فقد وجهت إليه تهم الفساد ومساعدة جماعة إرهابية، كأنّما اردوغان عندما أغرق سوريا والعراق بعشرات آلاف الإرهابيين من جنسيات مختلفة، جاؤوا إليه فاستقبلهم في بلاده، ووفر لهم من وسائل إقامة، وفسح لهم مجال تدريب عسكري، مهيئا جموعهم الدخول إلى أراضي بلدين شقيقين، لم يكن عمله ذلك دعما ومساعدة لعشرات آلاف الإرهابيين، وما أسفر عنه من جرائم حرب فظيعة، مسموحا فقط لأردوغان.
التّهم التي اعلنها اردوغان لاعتقال (إمام أوغلو) تبدو ملفّقة، الهدف منها اقصاؤه من سباق التنافس على رئاسة تركيا، تحت مظلة حزب الشعب الجمهوري، الذي أعرب في بيان له عن تنديده بعملية الإعتقال، معتبرا إياها سياسية، تمثل انقلابا على الديمقراطية، فيما اندلعت احتجاجات مليونية شملت أغلب مدن تركيا، لا تزال متواصلة رغم إجراءات حظر التجمعات ومقابلة المظاهرات بقمع وصل الى استعمال الرصاص المطاطي.
إمام أوغلو (54 سنة) كسب احترام قواعد عريضة من الشعب التركي، فقد ترشح لرئاسة البلدية استنبول في 2019 وفاز بهما مرتين، بعد أن قام اردوغان بإلغاء الأولى، بما أعطى انطباعا جدّيا أنه منافس عنيد وخطير على أوردوغان، الذي ترشح بدوره بعد فترة رئاسة بلدية استنبول نفسها، ويبدو أن استبعاد هذا المنافس الثقيل شعبيا قد باشرت حكومة أردوغان في تنفيذه، فقامت بالغاء شهاداته وتوجيه تهم خطيرة اليه، في مسعى واضح من أجل منعه من الترشح للإنتخابات الرئاسية المقبلة، يكون أردوغان في الطريق مفتوحا لإعادة انتخابه، هكذا هي الديمقراطية التي يراها اردوغان، متحدّيا في غطرسته الشعب التركي، معتقدا أنّه خليفة المسلمين السنّة وخصوصا الاخوان، فهم يروه رمزا لهم.
وسط هذه الأجواء الشعبية التركية المضطربة، تبدو الليرة التركية في أتعس حالاتها، من انهيار تزامن مع ما اعتبره معارضو اردوغان انقلابا على الديمقراطية، والذهاب بتركيا إلى عصر دكتاتورية قد يبعدها عن أهدافها الحقيقية، في نموّ وديمقراطية حقيقيين، فقد هوت الليرة من 12 % إلى 42 % أمام الدولار، لتصل إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، مما يُبرز المخاوف من تراجع سيادة القانون في السوق الناشئة الرئيسية، والدولة العضو في حلف شمال الأطلسي، التي يحكمها أردوغان منذ 22 عاما.(3) مدّعيا تبنّي قضية فلسطين، وادعاؤه بمساندة شعبها دون أن يقدّم له ولقضيته العادلة شيئا غير الكلام.
هذه نبذة من سياسة حزب لاردوغان وحزبه، الذي يبرر الإرهاب بعنوانه الإسلامي، في مواجهة منافسيه على الحكم بتركيا، بتزييف الحقائق وتشويه المعارضين، لتحييدهم عن منافسته، أساليب تآمرية رخيصة، نابعة عن عقيدة عثمانية عفا عليها الزمن، لم تقدّم فيما مضى من تاريخها للناس خيرا، سواء منهم المسيحيين الأرمن، أو الأقليات الإسلامية التي استضعفها الباب العالي، أينما أمكنه منها، بلبنان وغيرها من المناطق الخاضعة له، وتاريخ الهيمنة العثمانية على البلاد العربية مغربا وشرق أوسطا في هذا المجال، أطول من أن يذكر، فيكفينا القول فيه بأنه أسودٌ، حكمته الأطماع في التوسّع وانتهاب خيرات الشعوب، وترْكِها بعد ذلك، لقمة سائغة للقوى الإستعمارية الغربية، التي أجهزت على ما تبقى من مواردها، وفوق ذلك، تلويث ثقافاتها وزعزعة معتقداتها، جرائم عثمانية خازوقية(4) يجب أن تُكْشف للعالم الإسلامي، حتى لا يغترّ مغتر بالعثمانيين، فيعتبرهم مصلحين بينما هم مفسدون في الأرض، اعتقد أن الشعب التركي يستحق حكما أفضل مما هو قائم، لكي يستبعد تهديدا إرهابيا اصبح يتضخم متخفيا، والمظاهرات التي اندلعت بقوة، سوف تكون مؤشر خير لصالح مستقبل يرضاه.
المصدر
1 – 2 – 3- تركيا تعتقل أبرز منافس سياسي لأردوغان والمعارضة تصف ذلك "بانقلاب"
4 - الخازوق وسيلة إعدام وتعذيب، من أشنع وسائل الإعدام، حيث تخترق جسد الضحية عصا طويلة وحادة من ناحية وإخراجها من الناحية الأخرى. يدخل الخازوق من فتحة الشرج، بعدها يُثبت الخازوق في الأرض، ويترك الضحية معلقا حتى الموت.
تركيا اليوم .. من سيأكل الخازوق؟
بقلم: محمد الرصافي المقداد
الحلم العثماني الذي طاما راود الرئيس التركي أردوغان، وهو إعادة أمجاد الباب العالي، الذي هدّم أسسه أتاتورك محوّل تركيا من عثمانية إلى دولة لائكية يبدو أنه قد بدأ يتبدّد هذه الأيام، لعوامل عدّة برزت على الساحة الداخلية التركية، لعلّ أهمّها السياسة التي انتهجها جنوبا ضد الأكراد والتي لم تترك له مؤيّدا هناك، وهم يمثلون نسبة كبير من المكون الشعبي التركي، تتوازى اليوم مع عمليات الإبادة الطائفية، التي ترتكبها قوات هيئة تحرير الشام، بحق المدنيين العلويين بالساحل، وهي أعمال تجاهلها الغرب وهو يعلم بشاعتها والتزمت دوله بالسكوت عنها، مقابل سكوت الحكومة السورية المؤقتة على التمدد الإسرائيلي في جنوب سوريا.
علويوا تركيا يمثّلون أغلبية الطائفة العلوية في المنطقة، فعددهم بتركيا يتجاوز --- ولهم ثقلهم في البلاد، وقد عبّروا عن شديد امتعاضهم من موقف أردوغان، تجاه ما يجير من أحداث محزنة لهم على الساحل السوري، ويعتبرونه متورّطا في ذلك، فهو من مهّد لدخول تلك الفصائل الإرهابية الى الأراضي السورية مرتين الأولى في سنة 2012 وباءت بالفشل، والثانية في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر من السنة الماضية، وقد حصل بعد اتفاق بينه وبين بوتين، على حساب إيران وحزب الله.
كان بإمكان اردوغان أن يفرض على صنيعته الجولاني، أن لا يطلق عناصره الإرهابية على الأقليات العلوية والشيعية يخطفون ويعتدون ويقتلون وينهبون بيتهم ويحرقونها في نهاية المطاف، وكان من أبسط ما كان يجب أن يقوم به بعد بداية شرارة الاعتداءات أن يأمر بإطفائها لكنه لم يفعل وبقي صامتا كأنّ شيا لم يكن، هنا شعُر العلويون بتركيا بأنّ رئيسهم لا يأبه لإخوانهم في سوريا، فتحرّكوا في أول احتجاجات مدنية اجتاحت تركيا بسبب اعتقال رئيس بلدية استمبول ( إمام أوغلو)(1) ذو الشعبية الكاسحة بين الوسط الشعبي التركي، والذي يُعتبر منافسا جدّيا لأردوغان عن بقي في وظيفته فإنّه حتما سيسقط نظامه.
أما مبررات الإعتقال فهي سخيفة جدّا، وبرهنت على سفاهة أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية
فقد وجهت إليه تهم الفساد ومساعدة جماعة إرهابية، كأنّما اردوغان عندما أغرق سوريا والعراق بعشرات آلاف الإرهابيين من جنسيات مختلفة، جاؤوا إليه فاستقبلهم في بلاده، ووفر لهم من وسائل إقامة، وفسح لهم مجال تدريب عسكري، مهيئا جموعهم الدخول إلى أراضي بلدين شقيقين، لم يكن عمله ذلك دعما ومساعدة لعشرات آلاف الإرهابيين، وما أسفر عنه من جرائم حرب فظيعة، مسموحا فقط لأردوغان.
التّهم التي اعلنها اردوغان لاعتقال (إمام أوغلو) تبدو ملفّقة، الهدف منها اقصاؤه من سباق التنافس على رئاسة تركيا، تحت مظلة حزب الشعب الجمهوري، الذي أعرب في بيان له عن تنديده بعملية الإعتقال، معتبرا إياها سياسية، تمثل انقلابا على الديمقراطية، فيما اندلعت احتجاجات مليونية شملت أغلب مدن تركيا، لا تزال متواصلة رغم إجراءات حظر التجمعات ومقابلة المظاهرات بقمع وصل الى استعمال الرصاص المطاطي.
إمام أوغلو (54 سنة) كسب احترام قواعد عريضة من الشعب التركي، فقد ترشح لرئاسة البلدية استنبول في 2019 وفاز بهما مرتين، بعد أن قام اردوغان بإلغاء الأولى، بما أعطى انطباعا جدّيا أنه منافس عنيد وخطير على أوردوغان، الذي ترشح بدوره بعد فترة رئاسة بلدية استنبول نفسها، ويبدو أن استبعاد هذا المنافس الثقيل شعبيا قد باشرت حكومة أردوغان في تنفيذه، فقامت بالغاء شهاداته وتوجيه تهم خطيرة اليه، في مسعى واضح من أجل منعه من الترشح للإنتخابات الرئاسية المقبلة، يكون أردوغان في الطريق مفتوحا لإعادة انتخابه، هكذا هي الديمقراطية التي يراها اردوغان، متحدّيا في غطرسته الشعب التركي، معتقدا أنّه خليفة المسلمين السنّة وخصوصا الاخوان، فهم يروه رمزا لهم.
وسط هذه الأجواء الشعبية التركية المضطربة، تبدو الليرة التركية في أتعس حالاتها، من انهيار تزامن مع ما اعتبره معارضو اردوغان انقلابا على الديمقراطية، والذهاب بتركيا إلى عصر دكتاتورية قد يبعدها عن أهدافها الحقيقية، في نموّ وديمقراطية حقيقيين، فقد هوت الليرة من 12 % إلى 42 % أمام الدولار، لتصل إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، مما يُبرز المخاوف من تراجع سيادة القانون في السوق الناشئة الرئيسية، والدولة العضو في حلف شمال الأطلسي، التي يحكمها أردوغان منذ 22 عاما.(3) مدّعيا تبنّي قضية فلسطين، وادعاؤه بمساندة شعبها دون أن يقدّم له ولقضيته العادلة شيئا غير الكلام.
هذه نبذة من سياسة حزب لاردوغان وحزبه، الذي يبرر الإرهاب بعنوانه الإسلامي، في مواجهة منافسيه على الحكم بتركيا، بتزييف الحقائق وتشويه المعارضين، لتحييدهم عن منافسته، أساليب تآمرية رخيصة، نابعة عن عقيدة عثمانية عفا عليها الزمن، لم تقدّم فيما مضى من تاريخها للناس خيرا، سواء منهم المسيحيين الأرمن، أو الأقليات الإسلامية التي استضعفها الباب العالي، أينما أمكنه منها، بلبنان وغيرها من المناطق الخاضعة له، وتاريخ الهيمنة العثمانية على البلاد العربية مغربا وشرق أوسطا في هذا المجال، أطول من أن يذكر، فيكفينا القول فيه بأنه أسودٌ، حكمته الأطماع في التوسّع وانتهاب خيرات الشعوب، وترْكِها بعد ذلك، لقمة سائغة للقوى الإستعمارية الغربية، التي أجهزت على ما تبقى من مواردها، وفوق ذلك، تلويث ثقافاتها وزعزعة معتقداتها، جرائم عثمانية خازوقية(4) يجب أن تُكْشف للعالم الإسلامي، حتى لا يغترّ مغتر بالعثمانيين، فيعتبرهم مصلحين بينما هم مفسدون في الأرض، اعتقد أن الشعب التركي يستحق حكما أفضل مما هو قائم، لكي يستبعد تهديدا إرهابيا اصبح يتضخم متخفيا، والمظاهرات التي اندلعت بقوة، سوف تكون مؤشر خير لصالح مستقبل يرضاه.
المصدر
1 – 2 – 3- تركيا تعتقل أبرز منافس سياسي لأردوغان والمعارضة تصف ذلك "بانقلاب"
4 - الخازوق وسيلة إعدام وتعذيب، من أشنع وسائل الإعدام، حيث تخترق جسد الضحية عصا طويلة وحادة من ناحية وإخراجها من الناحية الأخرى. يدخل الخازوق من فتحة الشرج، بعدها يُثبت الخازوق في الأرض، ويترك الضحية معلقا حتى الموت.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat