من أي طينة أنتم يا عرب؟
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

ما الذي جرى في عالمنا العربي والإسلامي، حتى تسقط الشعوب في مستنقع الدنيا، وتصبح فيه مكبلة لا حيلة لها ولا قيمة، ترى بأم أعينها استهانة أعدائها بمقدّساتها، في مقابل أنّ حكوماتنا لم تكن بمستوى الردّ الرّادع، حتى يفهم الأعداء أن تحذيراتها جدّية، وليست مجرد موقف سياسي ضعيف، وبيعت قضاياها التحررية كقضية فلسطين، بالإهمال الواضح، والتآمر الفاضح، فلم تعي حقيقة ما يحاك، وكان جل همّها منصبّ في الدنيا وكسبها الرخيص، وتجرّأ من تجرّأ من حكامنا ليعبّروا عن خبائث أنفسهم ودناءة أشخاصهم، فساروا مع قافلة التطبيع الأمريكية الغربية، وتجاهلت الشعوب ذلك، فلم يصدر منها ما يشفي الغليل من الثورة على أولئك الخونة وإزالتهم من كراسي ظلمهم وتعدي حقوقهم.
ثم أخيرا كان لا بد أن يبادر أحرار فلسطين من مقاوميها الشرفاء، فكان طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر 2023 الذي غيّر قواعد الإشتباك مع العدوّ الصهيوني بالمبادرة إلى الهجوم واقتحام مستوطنات غلاف غزّة وأخذ أسرى، من أجل مبادلتهم بالمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وهذا لم يحدث في التاريخ المعاصر لفلسطين المحتلة، وبُهِت الذين كفروا وأرعدوا وأزبدوا، ولم يكن لهم من حلّ يعيد لهم كرامتهم المهدورة، سوى بشن غارات قصف عشوائية، وبدء عدوان جديد على غزة، وكان عدوانا وحشيا لم يسبق له مثيل، حدثت جرائمه على مرأى ومسمع من العالم، يشاهدون أحداثها كل يوم، وحكام العرب بنُزهائهم ومطبّعيهم بلا حول لهم ولا قوّة، مع أنّهم يمتلكون ترسانات الأسلحة المتطورة والمتنوعة البرية والبحرية والجويّة، والجيوش المجيّشة والقوى الأمنية المدربة، القادرة على الدفاع عن فلسطين وإزالة إسرائيل من أرض فلسطين، لو كانت هناك إرادة صادقة، لكن من أين تأتي الإرادة لأنظمة تأتمر بأوامر دول الغرب، وتخضع لسياساتها خضوع العبيد الذين لا حول لهم ولا قوّة.
إن ماتت قلوب وأحاسيس هؤلاء الحكام، فكيف تموت قلوب وأحاسيس شعوبها المتحفزة طلائعها إلى فلسطين وتحريرها؟ لقد تبيّن أنّ المشاعر وحدها لا تكفي، وأنّه يجب أن يكون هناك واعز فكري محرّك لكل فرد من هذه الشعوب محفّزا لهم على المبادرة، واقتحام ما كان ممنوعا عليهم من قبل، ليشاركوا اخوتهم في جبهة الحق الوحيدة الموجودة، القائم بها هذا المحور المقاوم المبارك، ليصنع واقعا جديدا في المنطقة، رافضا للإحتلال والتبعية للإستكبار الغربي.
بقدر ما كشف طوفان الأقصى عن هشاشة البنية الأمنية والعسكرية لإسرائيل، وبرهن مع روافده من محور المقاومة، أن زوالها أصبح ممكنا وبدأ يقترب يوما بعد يوم، أسقط قناع إدّعاء الشعوب والحكومات العربية والإسلامية، بمناصرة القضية الفلسطينية، فإذا هي مجرد عناوين غائمة في بحر الأوهام، ولم تعد سفينة مرمرة تفي أردوغان بغرض استغلال القضيّة، فدعوى تأييد غزة في بداية حصارها، كانت مجرّد دعاية فارغة، لم تنل منها غزّة شيئا، ولا أعطت الخطب الرنانة التي كان طلقها رؤساء عرب بين الفينة والأخرى، تسكينا للواعج طلائع شعوبهم، مجالا لأمل قد يلوح من ورائها، إذ سرعان ما تعود سيرتهم بشأن فلسطين كما كانت نسيا منسيّا.
من فقد بصيرة التمييز بين الصديق والعدوّ، لم يتبيّن له من الأحداث مقاصدها وأهدافها، كذلك شعوبنا التي تاهت في صحراء الدنيا، بعدما استدرجها سرابها، مشغولة بذلك التّيه تريد الخروج منه لكنّها لا تقدر، قد فقدت الوعي بما حيك ويحاك لها من مؤامرات، لاذت بالصمت إزاء ما ترتكبه القوات الاسرائيلية من جرائم حرب، وإن بدر منها شيء، فمقدار لا قيمة له في عالم التعدادات والنسب، لقد سقط قناع نصرة الشعب الفلسطيني عن الحكام والشعوب معًا، وبدت الصورة مفزعة ومأسوية، بحيث يقف أمامها كل ذي إحساس بإنسانيته حائرا متسائلا: هل إلى هذا الحد وصلت بنا شقوتنا، أن أهملنا أهم قضايانا التحررية، وهي أساس كل مشرع وحدة، يمكن أن يبنى عليه مستقبل هذه الأمة، الذي لم يعد يُرى من نفقه مخرج، يلبي حقوق شعب فلسطيني شقيق، غصبت أرضه وشُرد أهله في الشتات، وتعرض مئات بل آلاف المرات إلى مختلف الإعتداءات والمؤامرات التي تركت في قلوب أحرار فلسطين جرحا يصعب التِئامُهُ، فكيف يأمن حكامنا لأمريكا ودول الغرب، وهم يعلمون يقينا بأنهم من أوجد إسرائيل؟ وأن هذه الدول هي من يدعمها، وهم يعلمون يقينا بأنها ظالمة ومعتدية وغاصبة، ومرتكبة جميع أنواع الجرائم على مرّ تاريخها، وعلى مرأى منهم ومسمع من دول العالم، لاذ أغلبهم بالصمت، تجاهلوا تماما أنهم دعاة حقوق انسان، تعرّت إدّعاءاتهم الكاذبة تماما، فلم يعد لهم بعد ذلك ما يخفونه، من حقد وعنصرية وخبث تجاه اسلامنا وقيمنا، تَعرّيهم الحالي نبّهنا كطلائع شعوب منكوبة في دينها وقيمها، أن حكامنا هم مجرد أتباع لدول الغرب، خدمٌ لهم بقناعة العبد لسيّده، لا يملكون قدرة على معارضة حقيقة لما خططوه من مؤامرات، هدفها إخراج بلداننا من معالي الدين وقيمه الرفيعة، إلى مسافل ثقافة غربية منحطّة، لا تقيم وزنا لديننا وقيمنا، ولا حتى الإنسانية السليمة من بواعث الشيطان، بل تبين أنها تسعى دائما لسلب تلك القيم الإلهية من حياتنا.
نجاح الغرب في مخططاته الرامية الى هدم قيمنا بين مجتمعاتنا بدا واضحا ولا يحتاج الى دليل، فحالة المسخ التي تعيشها شعوبنا قد بلغت منتهى التفسخ والمسخ، فهل تحرك حاكم أو حكومة لتتصدى إلى هذه الظاهرة القبيحة التي طغت على مجتمعاتنا، ونقلتها من حالة الطيب، إلى الخبث والرذيلة، وقلّة قليلة وعتْ الطارئ الخبيث الذي طرأ على مجتمعاتنا، هؤلاء القلة شعروا بهذا الغزو الثقافي الغربي وأحسوا بخطورته، هل فعلوا شيئا من شأنه أن يعالج الخلل ويقضي على هذا الإنفلات والسقوط الاخلاقي؟ اعتقد أنه لا أثر لحركة إصلاح تقوم بهذا التغيير، وتعيد المسار وتصحح الوجهة إلى الأصل، وتضع القيمة المعنوية التي كان أهلنا يعيشون عليها فيما مضى، وكانت لهم بها صولة وقيمة ومقدار يَحْسب له الأعداء حسابا.
هل نسي حكامنا أن الدول الغربية استعمارية، غزت بلداننا واكتوت شعوبنا بقهر عساكرها، ونهبت ما نهبت من خيراتنا ومواردنا؟ نعم لقد نسوا ذلك التاريخ السيء وتلك الحقبة السوداء، وتحوّل بسياسة العمالة العدو إلى صديق، وعوض أن نوجّه براءتنا من هذا العدو، أصبحنا نعادي بعضنا ونتربص بإخواننا وأهلنا، ووصل بنا الحال إلى بيع قضايانا والتفريط في حقوقنا، مقابل لقمة عيش غير رغيد كلّه ذل وضيق، اليوم بلغ السيل الزبا، ولم يعد هناك للشعوب وحكامها ما يبررون له مواقفهم السلبية تجاه فلسطين، مع ادراك الجميع أنّ ما تعمل عليه السياسة الخارجية الأمريكية متحالفة مع الغرب الاستعماري ينحصر في هدف واحد وهو السيطرة على بلداننا من أجل استغلال مواردنا بأبخس الأثمان، فمتى تعي شعوبنا ما يحاك ويدبّر لها؟ أم أنّه لم يعد لها ما تقدّمه من أجل دينها وأوطانها؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat